"النهار"- سركيس نعوم
يوم وصل وليد البخاري سفيراً الى لبنان قبل سنوات بدأ العمل لمساعدته في مواجهة أوضاعه الصعبة الاقتصادية فعمل مع مجموعة من اختصاصيي بلاده وخبراء لبنانيين على درس القطاعات التي تحتاج الى مساعدة ثم الى تحديث. بعد ذلك بدأ إعداد مشروعات تحديثية لها ولا سيما في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة وأخرى كثيرة غيرها، وعندما أُنجز العمل اشتغل السفير البخاري على خطين، الأول إعلامي، فالتقى عدداً كبيراً من العاملين في هذا الحقل وأبلغهم إنجاز 22 مشروعاً من شأن تطبيقها وضع لبنان على طريق استعادة العافية.
وحفلت الصحف ووسائل إعلامية أخرى في حينه بأخبار وتحليلات عن هذه الخطوة. أما الخط الثاني فكان سياسياً، إذ أطلع السفير البخاري عدداً من الشخصيات السياسية اللبنانية من كل "الدرجات" على المساعدة المتنوّعة التي أعدّتها بلاده للبنان. وبدا أنه يدفعهم وإن على نحو غير مباشر الى التحرّك على الساحة اللبنانية من أجل تكوين موقف ضاغط على الحكومة للتجاوب مع المبادرة السعودية. أما لماذا ضاغط فلأن الرياض كانت مقتنعة، ولا تزال على الأرجح، بأن لبنان وتحديداً رئاسة الجمهورية فيه وحكومته يرغبان بشدة في توفير كل ما يحتاج إليه تنفيذ المشروعات المذكورة أعلاه.
لكنهما عاجزان عن ذلك لأن المقابل الذي عليهما أن يدفعاه أو يقدّماه الى المملكة هو إعادة ترتيب الوضع في لبنان بحيث لا يبقى ساحة لحلفاء الجمهورية الإسلامية الإيرانية من اللبنانيين سياسيين وأحزاباً ومجموعات طائفية ومذهبية معادية للمملكة وناشطة ضدّها إعلامياً وعملانياً، ومركزاً يؤمّن لأعدائها في المنطقة حضوراً إعلامياً وسياسياً ومركزاً تدريبياً. في مقدّم هؤلاء الإيرانيون أولاً ومعهم حوثيو اليمن حلفاء طهران وحليفها في لبنان "حزب الله".
وهؤلاء تخوض السعودية حرباً عسكرية ضروساً ضدّهم منذ عام 2015 لكنها لم تنجح لغاية الآن في حسمها وفي إعادة "الحكومة الشرعية" في اليمن إليه. ولا يبدو أن أفق هذا النجاح سيُفتح لها في المستقبل المنظور على الأقل ولا سيما بعد رفع الولايات المتحدة "الحوثيين" عن لائحتها للإرهاب، كما بعد تردّي أو على الأقل توتّر العلاقة بين الرئيس الأميركي جو بايدن ووليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من جرّاء بذله الجهد الأكبر في آخر اجتماع لأوبك+ لخفض إنتاج دولها من النفط مليوني برميل يومياً رغم معرفته أن ذلك يؤذي الإدارة في واشنطن وأوروبا.
هل سترى المشروعات السعودية الـ22 الموضوعة منذ سنوات لمساعدة لبنان نور التنفيذ؟ لا أحد يستطيع الجواب عن ذلك الآن. لكن الواقع يشير في وضوح الى أن المملكة قطعت الأمل في إقناع لبنان الشرعي أي رئيس الجمهورية الذي انتهت ولايته منتصف ليل أول من أمس والحكومة والغالبية النيابية بتلبية طلباتها، ويتركّز معظمها على التوقّف عن جعل لبنان منصّة لكل أعدائها في المنطقة العربية والخارج ومركزاً إعلامياً متطوّراً لهم وساحةً لتدريبهم على استهدافها بشتى الطرق.
ويشير أيضاً الى أنها دخلت مباشرةً الصراع الداخلي اللبناني وصارت فريقاً أساسياً حليفاً للأفرقاء المعادين لإيران الإسلامية ولـ"حزب الله" كما للمنظمات المحلية والإقليمية المعادية لهما. وصادف أن قرارها دخول المعركة – الحرب السياسية حتى الآن الدائرة في لبنان ضد أعدائها وأعداء حلفائها فيه ترافق مع احتدام الصراع السياسي بين "حزب الله" وحلفائه وأبرزهم "التيار الوطني الحر" وأعدائه وفي مقدّمهم حزب "القوات اللبنانية" ومسيحيوه وحزب الكتائب ومسيحيوه ومن بقي من سنّة "المستقبل".
أما الدروز فلم يدخلوا المعركة أو الحرب رسمياً لكنهم حريصون على عدم القطع مع السعودية وفي الوقت نفسه على عدم الانجرار وراء أعداء "حزب الله" وحلفائه كما على محاولة ترتيب الأوضاع ولكن من دون نجاح يذكر حتى الآن.
ماذا تقدّم المملكة العربية السعودية في هذا الصراع وما شروطها أو بالأحرى مطالبها لكي تنخرط كلّياً فيه؟ تفيد معلومات متابعين من قرب لأطراف الداخل اللبناني وللأطراف العرب وغير العرب المتدخلين فيه أن ما عرضت السعودية تقديمه قبل سنوات مع الـ22 مشروعاً المشار إليها أعلاه كان ثلاثة مليارات دولار أميركي. إلا أن ما تعرضه الآن لتنفيذ المشروعات نفسها كما لمساعدة لبنان على تجاوز انهياره المالي والنقدي والاقتصادي والمؤسساتي و... يبلغ نحو 100 مليار دولار. وهذا مبلغ يحتاج إليه لبنان بكل قوة ويُسَيِّل لعاب الكثيرين من قادته لأسباب وطنية كما لأسباب "مصلحية".
لكن الجديد اليوم هو أن تقديم هذا المبلغ الذي يسيل له "لعاب" "الوطنيين والفاسدين" وغير "الوطنيين" هو انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمارس صلاحياته بعيداً عن تأثير إيران وابنها فيه أي "حزب الله" ورئيس حكومة قريب منها ومن حلفائها اللبنانيين يعاونه وزراء لا ينتمون الى طهران وحلفائها، ورئيس مجلس نواب من الصنف نفسه. ولا يعني ذلك، يستدرك المتابعون من قرب أنفسهم، استهداف الشيعة وإن كان الذراع الأولى لإيران في لبنان والمنطقة هو "حزب الله" الشيعي.
هل تنجح السعودية في تحقيق الأهداف المذكورة؟ لا يبدو ذلك سهلاً، والإصرار على تحقيقها غير ممكن إلا "بإسالة الدم". وربما بدأت قيادات لبنانية تتحدّث عن "ضرورة الدم" لحل مشكلة لبنان. لكن الإصرار لا يعني النجاح وستكون نتيجته القضاء على البشر والحجر في هذه البلاد المنحوسة. في أيّ حال، من الأفضل انتظار الاجتماع "الحاشد" بعد أيام الذي دعا إليه السفير السعودي لمعرفة الاتجاه الذي ستسلكه التطورات في لبنان.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :