انتهى عهد الرئيس ميشال عون في 31 تشرين اول مع افضل توصيف له بأنه عهد الفقر والجوع والانهيار الاقتصادي والمالي والانفجار شبه النووي الذي قتل ما يقارب 220 من اللبنانيين، وجرح ما يزيد على 6000 مواطن، هدم ثلث العاصمة بيروت.
انقضت ستة اعوام من عمر الوطن ليضعنا العهد مع كل ما رافقه من الارتجال السياسي وقصر النظر وانعدام الرؤية، والكيدية السياسية في قعر جهنم، وفق توصيف الرئيس عون نفسه.
قبل مغادرة الرئيس لقصر بعبدا وبعد انتهاء مراسم الوداع الرسمي رفعت الستارة عن مشهد انتهاء الولاية ليظهر الخراب الذي حل بالجمهورية، من خراب دستوري وانهيار في هيكلية الدولة بجميع مؤسساتها السياسية والادارية، حيث لم يسلم منها سوى الجيش والاجهزة الامنية..
جاء عهد عون تحت شعار «الاصلاح والتغيير» ولكن لم يترافق هذا الشعار مع رؤية حقيقية او ارادة واضحة للنهوض بمؤسسات الدولة ومحاربة الفساد، بل عمل على تكريس المحاصصة مع اطراف التسوية السياسية التي فتحت الباب لانتخاب الرئيس، بالاضافة الى فتح المجال لزيادة نفوذ حزب الله وتعميق النفوذ الايراني، والذي ادى الى تخريب علاقات لبنان مع الدول العربية وخصوصاً الخليجية منها، وهذا ما حرم لبنان من كل الدعم والمساعدات التي كان يتلقاها خلال العهود السابقة.
تنبّه اشقاء واصدقاء لبنان الى الخلل الكبير الحاصل في اداء العهد وتياره السياسي وحليفه حزب الله فدعوا الى تصحيح المسيرة السياسية واعتماد رزمة من الاصلاحات المالية، والقانونية والتشريعية، ووقف الهدر والفساد، وكان ابرز هذه الدعوات الاصلاحات التي حددتها مقررات مؤتمر «سيدر» والذي ربط حصول لبنان على 11٫2 مليار دولار من القروض المسهلة والمساعدات برزمة من الاصلاحات تبدأ بقطاع الكهرباء وبتدابير مالية واقتصادية وادارية، وتبعتها المبادرة الفرنسية التي قادها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من خلال زيارتين متتابعتين قام بهما الى بيروت بعد انفجار المرفأ. وكان العهد وحليفه حزب الله اول المخربين على مقررات مؤتمر «سيدر» ومبادرة ماكرون، من خلال اولاً سوء اداء حكومة حسان دياب، ومن ثم من خلال منع تشكيل حكومة اصلاحية (غير سياسية) برئاسة مصطفى اديب، ومن ثم برئاسة سعد الحريري، وقد كان نصيبها الفشل من خلال المطالب التعجيزية التي فرضها الرئيس عون وتياره وبدعم من حزب الله.
لقد اعاد عون وصهره جبران باسيل تكرار المطالب التعجيزية مع الرئيس ميقاتي في محاولته لتشكيل حكومة بعد الانتخابات النيابية الاخيرة، وكان همها كالعادة الحصول على الثلث المعطل وبالوزارات الاساسية من اجل استمرار سيطرة التيار على قرار الحكومة، التي ستتولى شؤون البلاد كاملة، بما فيها صلاحيات رئيس الجمهورية، انطلاقاً من جهود التيار وحلفائه لتعطيل الانتخابات الرئاسية والدفع نحو الفراغ.
مارس عون من خلال موقعه الرئاسي خطته المبيتة لتخريب اتفاق الطائف والاضطلاع بوظائف رئاسة الجمهورية من خارج الدستور، مع رفض التعاون مع مختلف القوى السياسية الاخرى. تمحورت سلوكيته على انكار حق معظم القوى السياسية المشاركة في السلطة، ومن خلال نظرية بأن التيار الوطني الحر هو «الحزب الحاكم»، وبأن النظام البرلماني الذي ارسى اتفاق الطائف هو غير قائم، وبأن لبنان يجب ان يحكم من قبل «رئيس قوي» مدعوم من تكتل مسيحي يدعم حكم وقرارات هذا الرئيس.
من الواضح جداً لدى كل المراقبين بأن عهد الرئيس عون فشل في تحقيق اي من الوعود الاصلاحية التي اطلقها قبل وصوله الى بعبدا، وحاول الرئيس ومعه باسيل تغطية فشل العهد بقولهما «ما خلّونا»، متناسين بأن المشكلة تتركز في سوء ادائهما للسلطة، والنفوذ، وليست في بنود اتفاق الطائف او صلاحيات الرئاسة او جموح رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة لانتزاع سلطات رئيس الجمهورية.
يبدو بوضوح بأن الرئيس عون قد نسي بأنه قد جاء الى بعبدا نتيجة تسوية داخلية، وبدعم من أعتى خصومه السياسيين، وبمساندة غير مسبوقة من حليفه حزب الله، ولكنه سرعان ما بدد دعم تيار المستقبل والقوات اللبنانية من خلال سوء ادارته وطموحات جبران باسيل في السيطرة على مجلس الوزراء ومختلف الادارات خدمة لمصالحه الخاصة، ورغبة في التحضير لخلافة عمّه العماد عون في الرئاسة. وهكذا نرى ان سعد الحريري الذي سلّف العهد بتسهيل انتخاب عون قد جرى اضعافه واسقاطه، الى حين اخراجه نهائياً من العمل السياسي. بينما فشل العهد في اسقاط جعجع والقوات اللبنانية، حيث نجحا من خلال مقاطعة العهد والعمل الحزبي في اضعاف سلطة الرئاسة وكشف فساد وشطط باسيل في الهيمنة على السلطة من خلال لعب دور رئيس الظل، وهذا ما اكدته نتائج الانتخابات الاخيرة، حيث تحوّلت كتلة القوات النيابية الى الكتلة المسيحية الاكبر.
جاء خطاب الوداع الذي ألقاه الرئيس عون على بوابة القصر في مؤيديه ليؤكد على مدى انكاره للتقيّد بمواد دستور الطائف وبالاعراف الدستورية المعتمدة، حيث بدأ باعلانه توقيع مرسوم استقالة الحكومة، في محاولة شعبوية للتأسيس لحالة من الفوضى السياسية والدستورية، من خلال فتح الباب للطعن بدستورية وقانونية حكومة ميقاتي في استكمال عملها كحكومة تصريف اعمال، وفتح الباب بالتالي لفراغ كامل في السلطة التنفيذية.
انتهى عهد عون في ظل شعار رفعته قيادة باسيل «مكملين معك» من الرابية، رافضين بذلك فضيلة الاعتراف بالخطأ، ومعتبرين بأن عودة الجنرال الى الرابية وكأنها عودة نابليون من معركة «اوسترليتز» في الوقت الذي كان من الاجدى بهم الاستسلام لعامل الهزيمة الذي فرضته معركة «واترلوو». استعمل هذه المقارنة لاشباع غريزة الجنرال عون للتشبه بالعظام والتعلق بالمحطات التاريخية الهامة، والتي يستعملها لدعم مسيرته في طلب السلطة والنفوذ، واضفاء هالة براقة حول شخصه.
لا بدّ أن يُدرك عون ان محاولاته المستمرة لدعم مسيرة باسيل للصعود ليكون الخلف في بعبدا قد باءت كلياً بالفشل، وبأنه لن ينجح من الرابية في تحقيق ما جهد الى تحقيقه من موقع الرئاسة، مع كل ما تقدمه من دعم لصاحبها، وبأن جهوده ستبوء بالفشل، وستفتح الباب لمزيد من الانهيارات الداخلية، مع مخاطر التحضير لحروب مبيتة كالتي رافقت مسيرة الجنرال ما بين عامي 1988 و1990.
وفي الختام، أرى ان الحكمة والزمالة تدعوني للتوجه للرئيس عون بالدعوة الى الراحة والسكينة، تاركاً لمحكمة التاريخ ان تقول كلمتها في مسيرته السياسية، في مختلف المحطات «غير الموفقة» والتي افتقرت لأدنى علامات النجاح.
نسخ الرابط :