خلافاً لتوقعات كثيرين فإنّ كل المؤشرات تدل الى ان إقامة الفراغ الرئاسي وحتى الحكومي لن تدوم طويلا، وان نهاية السنة ربما تكون الحد الاقصى لإنهاء هذين الفراغين. أولاً، لأن الانهيار الذي تعيشه البلاد بلغَ مبلغاً بات لا يحتمل التأجيل في المعالجات. وثانياً، لأنّ المعبر الالزامي الى هذه المعالجات هو اعادة تكوين السلطة او اقامة سلطة جديدة في ضوء نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة. وثالثاً، لأن الخيارات لإنتاج هذه السلطة بدأت تضيق امام جميع الافرقاء المعنيين على وقع اشتداد الازمة المتنوعة الصنوف العاصفة بالبلاد.
يعتقد كثير من المتتبّعين للتطورات الجارية بشقيها الداخلي والخارجي انه بعد توقيع الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية الجنوبية لا يمكن تصور رئيس جمهورية الا من فريق 8 آذار او قريب من فكر هذا الفريق، ولسبب بسيط هو ان المجتمع الدولي بطبيعة الحال قد مارس الواقعية السياسية في لبنان وتعاطى مع من لديه القدرة على رسم المستقبل مُهملاً فكرة دعم وتمويل من يسمّيهم خصومهم «جماعة الغرب في لبنان»، او من يعرّفون أنفسهم الآن بـ»التيار السيادي».
هذه البراغماتية التي لطالما كانت محل مطالبة منذ زمن بعيد باتت اليوم حقيقة واقعة وبات الفريق السيادي مُربكاً الى درجة انه اصبح ينادي بـ»الخط 29». وكاد الامر بقيادييه، على حد تعبير البعض، ان ينخرطوا في «سرايا المقاومة» لتحقيق انجاز الخط 29. وقد تبين انّ كبارهم الذين يرفعون لواء السيادة في لبنان قد ارتبكوا تمام الارباك في موضوع الترسيم، اذ وجدوا انفسهم بين «شاقوفين». فإذا عارضوا الترسيم صبّ الاميركيون جام غضبهم عليهم، واذا امتدحوه يكونون قد اعطوا امتيازاً لخصمهم «حزب الله». ومن هنا تقول المصادر المواكبة ان هؤلاء «عاشوا ارباكاً لا مثيل له». وتضيف: «انّ ما زاد في الطين بلّة هو التباعد السعودي ـ الاميركي الذي جعلهم تائهين في بحر من الخيارات، وفي مقدمهم رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الذي إن عارضَ الاميركيين يكون قد خاطر بمستقبله السياسي، وإن عارض السعوديين ومشى في الركب الاميركي يخسر حينها زعامته السياسية لفريق 14 آذار ومتمماتها.
ومن هنا، ثمة من يعتقد انّ العيون ستشخص الى لحظة دعم رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل لترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية. في حين ان الحقيقة تكمن في لحظة مبادرة او تحوّل في موقف جعجع تجاه فرنجية، لأن لحظة الموافقة الاميركية ـ السعودية ـ الفرنسية على ترشيح فرنجية لم تعد بعيدة في حكم الامر الواقع الجديد الذي يفترض ترسيخ الاستقرار وتداول السلطة وحسن سير العمل في المؤسسات الدستورية والادارية بعد تحوّل لبنان بلداً نفطياً وجزءاً من الاقتصاد النفطي في هذا العالم.
ومن هنا لم يلحظ المراقبون الى الآن اي «فيتو» فرنسي او اميركي على فرنجية كمرشح حليف لـ»حزب الله» وحليف لسوريا مع العلم انه قد أظهر من خلال مواقفه انه مرشح ذو بُعد توافقي نظراً الى ايمانه التام بـ»اتفاق الطائف» وهوية لبنان العربية والمصلحة اللبنانية في الانفتاح على الغرب. كذلك لم يلحظ المراقبون اي «فيتو» سعودي مباشر على ترشيح فرنجية، علماً ان الرياض تحبّذ انتخاب رئيس للجمهورية ينسجم مع رئيس حكومة فلا يَتكايدان ولا يتنازعان الصلاحيات وإنما يخضعان لأحكام «اتفاق الطائف» نصاً وروحاً، وهو الاتفاق المُكلّفة الرياض عربياً ودولياً رعاية تنفيذه بعد رعايتها المؤتمر النيابي اللبناني الذي أقرّه في مدينة الطائف خريف العام 1989 وتحلّ ذكراه الـ33 هذه الايام.
ومن جهة أخرى فإنّ «الثنائي الشيعي» الذي لم يتبَنّ علناً ترشيح أحد لرئاسة الجمهورية، والذي لا يُخفى على الرأي العام تمنّيه بوصول فرنجية الى هذه الرئاسة، خصوصا ان فرنجية التزم مبادئ الخط الاستراتيجي التزام رجل دولة عندما قاطَع جلسة الانتخابات الرئاسية التي كانت ستوصله هو الى رئاسة الجمهورية عام 2016 حيث أبدى حرصه يومها على احترام ارادة السيد حسن نصرالله واحترامه لشخص العماد ميشال عون مفضّلاً ذلك على الرئاسة، وهذا ما عبّر عنه السيد نصرالله في اكثر من اطلالة اعلامية.
ولذلك يسعى «الثنائي الشيعي» الى ان يكون ترشيح فرنجية بالتوافق مع «التيار الوطني الحر» لأسباب استراتيجية تتصل بمصلحة هذا الخط السياسي الذي من شأنه ان يحمي مكوّناته وعلى رأسها النائب جبران باسيل في المستقبل. وفي هذا السياق كان لقاء الامين العام لـ»حزب الله» مع باسيل الاسبوع الفائت مقدّمة لتحقيق هذا التوافق. وإذ شاعت اجواء سلبية بعد هذا اللقاء، فإنّ البعض اعتبر ان هذا الامر طبيعي بعد فترة التباعد الكبيرة التي سادت بين «التيار الوطني الحر» وتيار «المردة».
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :