عوض ان يصفق اللبنانيون ويهللوا بعد دخول بلدهم نادي الدول النفطية، ارتفعت أسهم الفراغ تدريجياً وصولاً حتى خروج الرئيس ميشال عون من قصر بعبدا موقعاً مرسوم استقالة الحكومة الحالية، وأطل البلد على المجهول ليواجه خطر الانزلاق مجددا، وفتح بازار التأويلات السياسية على مصراعيه بعد ان بلغت المناكفات والسجالات بين افرقاء المنظومة أوجّها، وطفت تراكمات الاحقاد السياسية الدفينة الى السطح دفعة واحدة، كل ذلك على وقع فراغ من دون سقف وأزمات متتالية تضرب عمق المؤسسات وفوضى دستورية تنذر بفوضى حكم كارثية وخلل في وظيفة السلطة.
طاولة حوار رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي سينطلق بمشاوراته ومداولاته مع الكتل بدءا من اليوم، هي الاخرى قد لا تجد طريقها الى الانعقاد، والاسباب لا تعد ولا تحصى، أوّلها ان خرق المواقف يحتاج الى اكثر من "الأرانب" ولن تنفع جميع ألاعيب السحرة في تدوير زاويا الاستعصاء بين مكونات الحكم.
من جهة اخرى، سادت اجواء ايجابية خلال مفاوضات اتفاق ترسيم الحدود البحرية جنوباً مع اسرائيل في مرحلتها الاخيرة، وربط مراقبون ملف الترسيم ونجاحه والسير به قدماً بالتوافق السياسي الداخلي والرهان على تقارب وجهات النظر الداخلية والامساك بفرصة حصول انفراجات على هذا الصعيد لتشكيل حكومة وبعدها انتخاب رئيس توافقي يرضي جميع الاطراف، ولكن المفارقة ان تسويات الخارج لم تنعكس على الداخل، ولم تنجح في "ترسيم" صراعات المحاور السياسية، وكأن المطلوب ابرام اتفاق يفيد منه الخارج اكثر مما يفيد به لبنان نفسه، وهو قد تم (اتفاق الترسيم) وفق سياق دولي واقليمي في مرحلة دقيقة من الحرب الروسية الاوكرانية وحاجة اوروبا الى نفط وغاز البحر المتوسط.
واستغربت اوساط سياسية تجاوز اهل السلطة في لبنان جميع التعقيدات الداخلية واجتماعهم بالرغم من تناقضاتهم واختلافهم، حول عنوان خارجي وان كان يتعلق بثروتهم الوطنية، والاستثناء هو سرعة التوافق والانجاز، وربما السبب في ذلك يعود الى عاملين اساسيين:
-الاول ان اتفاق الترسيم وان بدا انه تمّ تلقائياً، إلا انه جاء لرغبة اميركية تراعي مصالح اسرائيل وأمنها وبسطوة دولية خارجية.
-ثانيا، شكّل هذا الاتفاق منفذاً لاهل السلطة واحزابها للتلطي وراء الثروة في قاع البحر والمماطلة في التفاوض مع صندوق النقد، وتالياً التحرر من شروطه لتنفيذ الاصلاحات المطلوبة خوفاً على مصالحهم.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :