«العهد القوي» والسنوات الست

«العهد القوي» والسنوات الست

 

Telegram

 

ست سنوات من البأساء انقضت، ومن الضر تولّت، ومن أصناف وألوان العذاب مضت.

ست سنوات، عاشها اللبنانيون في التيه والضياع على إيقاع أوهام همروجة التغيير وأحلام دبكة الإصلاح وأضغاث اجتثاث الفساد.

ست سنوات، ويد «العهد القوي» على الزناد لمحاربة طواحين الهواء، وهو في حالة نكران للمسلمات.

ست سنوات، تبخّرت فيها الوعود، وتلاشت معها المبادئ والأسس والمقومات وبات تجاوز الخطوط الحمراء، ولوي أعناق الواضح والصريح من النصوص، ومخالفة ما استقر عليه الاجتهاد، نهجاً لهذا العهد تدليلاً لتميّزه عن العهود التي سبقته، في محاول يائسة لإثبات الأنا والذات.

ست سنوات يضمر الانقلاب على اتفاق الطائف الذي أوقف الحرب الأهلية ونعمت في ظله البلاد بالأمن والأمان، وأصبح جزءاً لا يتجزأ من دستور لبنان، إنه يضمر هذا الانقلاب. بمعزوفة لا تفتر ولا تتوقف سواء في الإعلان أو الممارسات، والسمة البارزة فيها الصلاحيات، من هنا تفتقت قريحة الإمساك بالسلطة بالاعتداء على صلاحيات رئيس مجلس الوزراء... بخرق النصوص الدستورية والأعراف المستفزة والسوابق الثابتة، وكان من نتائج ذلك كله، ما أعلنه بالأمس سيد العهد القادر: «خسرت من ولايتي ثلاث سنوات بسبب حكومات تصريف الأعمال»، وهو على غير هدى من النصوص وما تقتضيه المسؤوليات، يضع اللوم على الرؤساء المكلفين بتشكيل الحكومات، بينما الحق والعدل والأمانة، وهو الساهر على احترام الدستور يقضي بأن يعترف بتجاوزه وتجاوز الأصول، وأنه هو السبب في هدر هذه السنوات الثلاث.

وفي هذا السياق، ولكي لا يُنسب إلينا الانطلاق من الفراغ، قلنا منذ سنتين وفي معرض المماحكات في تشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري، وقبل اعتذاره عن التلكليف الذي استمر لأكثر من سنة. قلنا تحت عنوان «الصلاحيات والمسؤوليات تدوران معاً وجوداً وعدماً» ونشرته جريدة اللواء بتاريخ 17/12/2020.

قلنا: «... ترى، أين مسؤولية رئيس الجمهورية عندما يمتنع عن تحديد موعد لإجراء المشاورات مع النواب لتسمية الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة؟ وأين مسؤوليته عندما يجري المشاورات مع النواب والفعاليات بحجة تسهيل التشكيلة الحكومية؟ لا أحد ينكر حق رئيس الجمهورية في المشاركة... لكن هذه المشاركة حدودها المسؤولية، والمسؤولية يتحملها منفردا رئيس الحكومة المكلف عندما لا تنال الثقة او تسقط في البرلمان عند حجبها... وأن قفز الفقهاء، وما أدراك ما الفقهاء، وأكثرهم منافق أو غب الطلب، إن قفزهم فوق الدستور بطريقة مبتسرة فيه تجاهل لنص المادة 60 من الدستور التي تنص على ما يلي: «لا تبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته إلا عند خرقه الدستور او في حال الخيانة العظمى».

ولو أن المنظرين حول رئيس الجمهورية أصغوا ملياً للنصوص الدستورية لما وقّع الرئيس وعهده والبلد بشرّ نصائحهم المنحرفة، ولما استمر هذا النهج من الرئيس الحريري وصولاً إلى اللحظة التي تنتهي فيها ولايته تاركاً وراءه حكومة مستقيلة تقوم بتصريف الأعمال.

هذا وعلى الرغم من اعترافه بالخسارة بما كسبت يداه بامتناعه هو عن تشكيل الحكومات، ما لم تكن على مقاسه ومقاس صهره وتياره، ومما يزيد في الطين بلّة، فإن سيد «العهد القوي» دأب طيلة ولايته على طرحه الذي كرره في الأمس: «إن هناك خطأ كبيراً في عدم تحديد الفترة المسموح بها لرئيس الحكومة المكلف بتأليف الحكومة».

وقد غاب عنه وعن المحيطين به من المستشارين (الأفذاذ) أن هذا الطرح تم التداول به في اجتماعات النواب في الطائف، ورفض رفضاً باتاً، ومرد ذلك إلى الخشية من ترحيل رئيس الجمهورية لكل رئيس مكلّف إلى منزله، عن طريق تمرير المهلة لسببين لا علاقة لهما بالقواعد الدستورية:

الأول: عدم الرغبة في التعاون معه لعدم الانسجام وفقدان الكيمياء بينهما.

والثاني: عدم الموافقة على التوقيع على التشكيلة الحكومية، ما لم تكن وفقاً لأهوائه ومزاجه، والممارسة في هذا الإطار نشهدها صارخة لا تحتاج إلى برهان، الهدف منها لا يحتاج إلى كبير عناء وهو الإطاحة بالرئيس المكلف، ولو لم يعتذر الرئيس الحريري لخسر العهد من ولايته خمس سنوات ولرأينا الأسوأ مما نحن فيه ويحاكي اللامعقول والعجب العجاب.

ست سنوات، كظلمات بعضها فوق بعض، أطبقت بسوادها وأثقالها على صدور اللبنانيين، فلم تترك مدينة ولا قرية ولا منزلاً، إلا وجعلته كالرميم، جوع ومرض وإفلاس، والمشهد تختصره الآلام والأحزان، والمسؤولون في السلطة كالموات، من دون حياء ولا إحساس، وأعينهم لا تدمع وكأنها من زجاج.

وأخيراً، فإن تداعيات السنوات الست الرهيبة، تدعونا للقول، لكل الطامحين في السلطة، ولمن هم ما زالوا متمسكين بها ويعضون بالنواجذ على كراسي المسؤولية: إن السلطة لم تكن يوماً غاية في ذاتها، يبلغ وطره منها من اشتهى مفاتنها، وهام بها وتاه بسحرها ووقع بحبائلها مخدراً بغرامها. إنها حسناء ودود، ولكنها لعوب، تخفي الكيد وهي تغري، وتبطن القدر وهي تتعرض، وهي إن مكّنت نفسها من أحد، فإلى من يتقن لعبتها، ويحسن الهدنة معها، ويبرع في الكر والفر في ساحتها، يدخل عليها فيمسكها على هون وبالمعروف لصونها وإصلاح أمرها، وإضفاء الهيبة عليها، وإذا استحال عليه المضي قدماً في تطويعها، يفارقها بإحسان، لأنه يدرك خطر التمسك بها، ويعي مرارة البقاء على أريكتها.

إنه حديث قديم جديد، وسوف يستمر ما استمرت الحياة والغرائز في النفوس وما حبلت وورمت به العقول من النرجسية والكبرياء والغرور، ولكن تبقى كلمة مأثورة ما زالت تدوي عبر التاريخ، أطلقها عمرو بن العاص، وقد سئل بما تتميز به يا عمرو؟


قال: ما دخلت أمراً إلا وأحسنت الخروج منه.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram