ثلاثة أيام فقط وينتهي عهد الرئيس ميشال عون. خيارات المعنيين بإدارة البلاد باتت ضيقة النوع والزمن. إما توافق سريع على شخصية تنتخبها غالبية نيابية لرئاسة الجمهورية وعندها ينتقل البحث بالملف الحكومي إلى مستوى آخر، أو تسوية اللحظة الأخيرة حول تركيبة حكومية تتولى إدارة مرحلة الفراغ الرئاسي.
حتى اللحظة تسيطر المواقف المتشددة على الأجواء. والسؤال هو حول ما إذا كان هذا التشدد مناورة اللحظة الأخيرة وفق لعبة حافة الهاوية، أم أن لدى اللاعبين الكبار تصوراتهم ومشاريعهم التي لا تتعرض للخطر في حالة الفوضى الدستورية والسياسية. وهو ما يجب التدقيق به بصورة مباشرة.
بالنسبة إلى تحالف بري - ميقاتي - جنبلاط، لا مجال لمنح جبران باسيل حكومة يكون له فيها حق الفيتو. بعض أركان هذا التحالف يعتقد بأنه ليس بمقدور حزب الله أن يفرض عليهم منح باسيل الموافقة على طلباته. في المقابل، يعتقد باسيل أن في مقدور الحزب أن يفرض على بري وميقاتي (أقله) تلبية مطالب التيار. علماً أن الحزب ليس في وارد محاولة الضغط لا على هذا ولا على ذاك، وكل ما يقدر عليه، هو المساعدة في تسوية قد تقتصر على الحكومة، ويمكن أن تتوسع لتشمل الرئاسة أيضاً.
باسيل يقول صراحة إنه لن يوافق على حكومة لا يكون له فيها حق الفيتو، والفيتو لا يريده لمنع صدور قرارات معينة، بل لإلزام رئيس الحكومة بفرض بنود على جدول أعمال الحكومة الجديدة تتعلق بعناوين كبيرة، مالياً وإدارياً وقضائياً. ولا يرى باسيل أنه معني بالمقايضة بين طلباته هذه وبين موقفه من الترشيحات الرئاسية. وهو عندما يقول إنه يرفض المقايضة، يقصد إنه لن يقبل مقايضة دور ونفوذ حكومي كبير بانتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية. وفي هذه الحالة، سيكون من الصعب على التحالف الثلاثي السير في أي تفاهم مع باسيل لا في شأن الحكومة ولا في شأن الملف الرئاسي.
لكن، ماذا لو مرت الساعات الـ72 المقبلة من دون التوافق على حكومة جديدة؟
الأكيد أن مبادرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الأخيرة تقضي بتيسير أمور فريقه السياسي من خلال اتخاذ ما يلزم من خطوات لمنع حكومة تصريف الأعمال من إدارة الفراغ. وهذا يتطلب من عون شخصياً إصدار مرسوم إقالة الحكومة، على أن يترك لباسيل لاحقاً سحب الوزراء المحسوبين على الرئيس والتيار من الحكومة وإفقادها النصاب الوطني. علماً أن ميقاتي يتحدث منذ الآن عن أن الحكومة لن تكون في حالة انعقاد في فترة الفراغ الرئاسي، وأن الأمور سيتم تسييرها وفق الحاجات الملحة ومن خلال اجتماعات وزارية ضيقة. وفي كلام ميقاتي إشارة إلى أنه يمكن تسيير أمور الوزارات التي يمكن أن يتركها وزراء محسوبون على عون وباسيل.
ليس هناك ما يلزم باسيل بالتنازل أمام الضغوط الكبيرة القائمة. لكن هناك ما يلزمه بالتعامل مع لعبة حافة الهاوية بطريقة مختلفة، لأنها لعبة تتطلب الإمساك بأوراق وأدوات عمل فاعلة. وهذا ما يفرض على جميع اللاعبين الاستعداد لحالة السقوط. والسؤال موجه إلى باسيل قبل الآخرين، باعتباره الهدف الواضح لكتلة كبيرة من القوى السياسية والعواصم والسفارات وحشد المرشحين للرئاسة، وعلى رأسهم قائد الجيش العماد جوزيف عون. السؤال لباسيل يتعلق بخطته لمرحلة الفراغ الرئاسي مع حكومة ناقصة الصلاحيات: هل هو مستعد لمواجهة محسوبة. وهل أنجز خريطة تحالفات في وجه حملة ستكون أشد قساوة بعد مغادرة عون القصر الجمهوري، وهل هو جاهز من حيث الخطاب والعدة لمثل هذه المواجهة؟
نسخ الرابط :