تنتهي ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون في 31 تشرين الاول الحالي، ولبنان يعيش ازمة وجودية ترتبط بمصير شعبه المالي والاقتصادي والاجتماعي، اضافة الى ما ينتظره من فوضى سياسية ودستورية، ربما تتطور الى اجتماعية وامنية، اذ وصلت نسبة الفقر الى نحو 80%، وتراجعت القدرة الشرائية لدى اللبنانيين، كما البطالة ارتفعت وزادت الهجرة، وتحولت مؤسسات الدولة الى مشلولة وفاقدة الفاعلية، وباتت قطاعاته الاساسية التربوية والاستشفائية في ادنى مستوياتها امام التقدم الذي تشهده دول اخرى ومنها عربية، لا سيما الخليجية، فلم يعد لبنان يوصف بانه "سويسرا الشرق"، بل "جهنمه وجحيمه وعصفوريته"، كما وصفه مسؤولوه من رئيس الجمهورية الى رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي وغيرهم من قوى سياسية وحزبية وهيئات في المجتمع المدني، كما تقارير دولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة "اليونيسيف" والاغذية العالمية الخ...
لبنان يمر منذ ثلاث سنوات بأخطر ازمة لم يعرفها منذ قرن ونصف القرن، وهو من بين دول قليلة شهدت ما يمر به لبنان، الذي لا يبدو انه سيخرج من النفق الذي دخله في فترة السنوات الخمس او اكثر، وفق ما يكشف خبراء اقتصاد ومال، قرأوا في الازمة المالية والاقتصادية بانها بنيوية، لا يخرج منها لبنان الا باصلاحات جذرية في نظامه الاقتصادي المستند الى نظام سياسي طائفي.
وما يؤخذ على الرئيس عون بانه اطلق وعوداً تتعلق "بالاصلاح والتغيير" ولم يحققها، سوى ما اعلنه حول "التدقيق المالي الجنائي"، حيث يتهم رئيس الجمهورية و"التيار الوطني الحر"- ذراعه السياسية- بان خصومه السياسيين لم يسمحوا له بذلك تحت شعار "ما خلونا"، وهو لا يتطابق مع توصيف "الرئيس القوي"، بل مع "رئيس ضعيف".
من هنا، فان الولاية الرئاسية تنتهي، ولم يسلم الرئيس عون رئيساً يخلفه، وهي ليست المرة الاولى التي لا تحصل فيها انتخابات رئاسة الجمهورية ويدخل لبنان بشغور رئاسي، انما هي المرة الاولى التي ستتولى حكومة مستقيلة صلاحيات رئيس الجمهورية، وسيخلق هذا الوضع صراعاً دستورياً بدأه رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، وقد يترجمه اذا لم تشكل حكومة، وهي مستبعدة حتى الآن بالتهديد باعتكاف الوزراء الذين سمّاهم التيار، واستخدام الشارع اذا تطلب الوضع، وفق ما تؤكده مصار قيادية في التيار ، التي لا ترى رئيساً للجمهورية دون الاخذ برأي التيار، ولا حكومة ستمارس صلاحيات رئيس الجمهورية، وهي غير مكتملة الاوصاف.
ولكن هل يذهب "التيار اوطني الحر" مع عودة مؤسسه الى الرابية، نحو اخذ لبنان الى الفوضى، كما اعلن رئيسه باسيل؟
"السيناريوهات" التي تُطرح كثيرة، منها ما هو افتراضي وبعضها له ارتباط بالميدان، اذ ان "للتيار الوطني الحر" مصلحة في خوض غمار مواجهة بعدم صلاحية الحكومة المستقيلة ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، وهذا سيؤثر على السلطة التنفيذية المنوطة بمجلس الوزراء، ويكون لبنان دخل بفراغ حكومي ايضاً، وتعطل دور مجلس النواب في انتخاب رئيس للجمهورية بسبب عدم توافق الكتل النيابية كما يعلن الرئيس نبيه بري ويوافقه حزب الله على موقفه، مما يُدخل لبنان في مرحلة الفوضى السياسية والدستورية، وعدم انتظام عمل المؤسسات التي هي مشلولة من القضاء الى الادارة والسفارات، وتوقف الخدمات من مياه وكهرباء وهاتف، وبلبلة في سعر صرف الدولار، ومضاربات في الصيرفة.
يغادر الرئيس عون قصر بعبدا، ولبنان في اسوأ اوضاعه، حيث ترى مصادر سياسية مطلعة، ان كل الاحتمالات مفتوحة ، واسوأها ان يتحول الى ساحة صراع اقليمية ودولية بدماء اللبنانيين، مع الدعوات الى مؤتمرات دولية حول مصير لبنان، ترغب بها فرنسا ودعت اليها سويسرا ورفضتها السعودية التي لا تقبل المس باتفاق الطائف، ودعت الى تأمين حماية سياسية لبنانية له، لانها تخشى ان يدخل شريكا ثالثاً على النظام السياسي وينزع صلاحيات رئاسة الحكومة، بما يُعرف "بالثلث الضامن" او "المثالثة"، وهي كانت مطلباً شيعياً لمرحلة بدأت مع "الاتفاق الثلاثي" في نهاية عام 1985، ولم تمر في الطائف في العام 1989 وانتقلت الى "سان كلو" في فرنسا عام 2007.
نهاية ولاية الرئيس عون لم تكن مفرحة للبنانيين كما غيره من رؤساء جمهورية، خرجوا من القصر الجمهوري بازمات وثورات وحروب وشغور رئاسي، وكل هذا سببه عدم توافق اللبنانيين على هوية الكيان ونظامه السياسي.
يتم قراءة الآن
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :