توافقت استنتاجات مؤسستين دوليتين للتصنيف الائتماني على التقييم الإيجابي الأولي لصالح لبنان واقتصاده، بعد إنجاز خطوة ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، مما تطابق مع تقديرات سابقة لـ«الشرق الأوسط» أكدت فيها، استناداً إلى مسؤول مصرفي كبير، أن الوقائع المستجدّة في الملف والدعم الأميركي الصريح «سيحفزان وكالات التصنيف الدولية»، لا سيما لجهة التنويه، في تقاريرها الدورية المقبلة، بالمردود المتوقَّع على التقييم الائتماني السيادي، القابع عند مستوى «التخلف عن الدفع» للديون المصدرة من قِبل الحكومة، والتحسن المفترض لملاءة الدولة المالية، رغم ما تعانيه من شُح حاد في السيولة بالعملات الأجنبية.
ففي أحدث تقرير صادر عن شركة «موديز»، صنّفت اتفاق الترسيم كخطوة إيجابية لصالح لبنان؛ كونه «يؤمّن المناخ الجيوسياسي الملائم لاستقطاب شركات التنقيب الدولية خلال مرحلة الاستكشاف»، ومن ثم اعتبرت أن «استخراج أي موارد غاز سيساعد لبنان على التخفيف من عجزه المزمن في الطاقة والبدء ببرنامج تعافٍ اقتصادي». لكن الوكالة أشارت، في المقابل، إلى أنه «من غير المرجح أن يتغير التصنيف السيادي للبلاد، في ظل غياب هيكلة شاملة للدَّين العام نتيجة شدة التحديات الماكرو - اقتصادية والمالية والاجتماعية، إضافة إلى توقعات الوكالة خسائر بنسبة تفوق 65 % للدائنين من القطاع الخاص».
ويصل الإجمالي الاسمي لمحفظة الديون الحكومية بالعملات الأجنبية «يوروبوندز»، دون احتساب الفوائد المعلقة، إلى نحو 31 مليار دولار، موزعة على شرائح استحقاقات سنوية تمتد حتى عام 2037، محمولة بغالبيتها من شركات وصناديق استثمارية دولية، فضلاً عن «البنك المركزي» والجهاز المصرفي المحلي. لكنها استحقّت بكاملها فور اتخاذ الحكومة السابقة، برئاسة حسان دياب، في ربيع عام 2020، قراراً بتعليق دفع كامل مستحقات هذه المحفظة، ريثما يجري التفاوض المباشر مع الدائنين. ومن ثم أصبحت المشكلة مرتبطة أيضاً بإنجاز الاتفاق النهائي مع «صندوق النقد».
وبالتزامن، لاحظت وكالة التصنيف الدولية «فيتش»، في تقريرها الأحدث، أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي أبرمها لبنان مع إسرائيل «ستفتح الباب له لاستكشاف ثروته النفطية، ومن ثم تسمح بتحسين تصنيفه السيادي على المدى الطويل»؛ إذ قرنت عملية الاستخراج بالإصلاحات المنشودة، إلا أنها حذرت بأن نتائجها غير مؤكَّدة ومحفوفة بمخاطر التنفيذ. وإضافة إلى الاستفادة من موارد لبنان الهيدروكربونية، نوّهت «موديز» أيضاً بأن الاتفاقية «تسمح بالبدء باستكشاف (حقل قانا) في (البلوك رقم 9)»، مشيرة إلى أنه لا يمكن الجزم بوجود موارد هيدروكربونية في «البلوك»، كما أن استخراج النفط والغاز قد يستغرق نحو 3 إلى 4 سنوات.
كما أشارت إلى أن «الاتفاقية أتت في وقت تدهورت فيه التغذية الكهربائية في لبنان إلى مستوياتها الدنيا، في ظل النقص في مادة الفيول، مع العلم بأن الحكومة تعتمد الآن على شحنات من الفيول العراقي، كما أنها بصدد إنجاز اتفاق تمويل مع (البنك الدولي) لاستيراد الغاز من مصر عبر خط أنابيب الغاز العربي».
لكنها لاحظت، في السياق عينه، أن حصول لبنان على تمويل من «البنك الدولي» منوط بتطبيق إصلاحات، كالتدقيق في «شركة كهرباء لبنان»، والانتقال نحو تعريفات تراعي التكلفة، علماً بأن وزارة الطاقة قررت فعلاً البدء، خلال الشهر المقبل، برفع بدلات التيار الكهربائي بحد أدنى يبلغ 10 سنتات للشريحة الأولى، ويرتفع إلى 27 سنتاً لكل كيلوواط في الشرائح الأعلى.
وفي المقابل ذكرت «موديز» أن الاتفاق مع «صندوق النقد الدولي»، من شأنه أن يؤمّن مساعدات للبنان بقيمة 3 مليارات دولار، وهو فرصة للبنان لاجتذاب مساعدات خارجية، في حال تطبيق الإصلاحات المتفق عليها، كاعتماد التشريعات والقرارات المطلوبة حول «الكابيتال كونترول»، والسرّية المصرفية، وتسوية أوضاع المصارف، وتوحيد أسعار الصرف.
إنما لم يَفُت «الوكالة» ملاحظة أن تطبيق الإصلاحات يسير بوتيرة بطيئة منذ الانتخابات البرلمانية، في شهر مايو (أيار) الماضي. كذلك الإشارة إلى ضرورة تشكيل حكومة جديدة، وانتخاب رئيس جديد لتجنب فراغ رئاسي، بعد نهاية الشهر الحالي.
من جهتها لاحظت وكالة «فيتش» أنه في حين أن تفاصيل الاتفاقية لم تُنشر بعدُ، فإن تصريحات المسؤولين تشير إلى أن لبنان سيحظى بكامل حقوق الاستكشاف والاستخراج في «حقل قانا»، فيما سيجري تعويض إسرائيل مادياً من قِبل مُشغّل الحقل عن حصتها فيه، علماً بأن كونسورتيوم «توتال إنيرجيز» كان قد استحصل، في وقت سابق، على حقوق الاستكشاف في «البلوك 9»، حيث تقع غالبية «حقل قانا».
في هذا الإطار ذكرت الوكالة أن رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي، كان قد طلب من مشغل «البلوك 9» بدء عملية الاستكشاف فوراً.
وعلى صعيد مخاطر التنفيذ، لاحظت «فيتش» أن عملية التنقيب في «البلوك 4»، لم تسفر عن اكتشاف وجود كميات تجارية، وأن تطوير إطار قانوني لعملية الاستخراج قد يتأخر؛ بسبب الخلافات السياسية في لبنان.
كما ذكرت، في سياق متصل، أن «صندوق النقد الدولي» لم يوافق بعدُ على البدء بتوزيع مبلغ 3 مليارات دولار؛ بسبب عدم استكمال الدولة اللبنانية الإصلاحات التي تعهدت بها. كما نوّهت بأن النتائج غير الحاسمة للانتخابات النيابية، واحتمال الفراغ الرئاسي، قد يعرقلان عملية تنفيذ هذه الإصلاحات.
نسخ الرابط :