يُسابِق رئيس الجمهورية ميشال عون الوقت لإتمام أجندة عمل أيّام العهد الأخيرة: منح أوسمة، استقبال ناشطين عونيّين لشدّ العصب، الاستعداد للتوقيع النهائي على ملف الترسيم البحري، تدشين "سباق" التفاوض مع سوريا وقبرص حول الحدود البحرية، إعداد خطاب الخروج من بعبدا و"يومه الشعبي"، توقيع مراسيم عالقة، استقبالات وداعيّة، وما بينها إطلاق أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار، ومواكبة آخر مراسم "دفن" الحكومة وانتخابات رئاسة الجمهورية.
لكنّ الخطوة الرئاسية بتعيين وفد التفاوض مع دمشق التي أتت في سياق الانتقال السريع من النزاع البحري مع إسرائيل، بعد حسمه، إلى النزاع المائي مع سوريا، طرحت علامات استفهام كثيرة في الشكل والمضمون عن حدود "صلاحيّة" قرار كهذا. وقد تردّدت معلومات عن توجّه الوفد يوم الخميس المقبل إلى سوريا.
في الشكل كان لافتاً عدم إدراج موقع رئاسة الجمهورية الرسمي وحساب الرئاسة الأولى على "تويتر" مضمون القرار. جلّ ما حصل هو تسريب خبر حمّال أوجه لكنّه يوحي بتسليم عون رئاسة الوفد لنائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب عبر الطلب منه التوجّه إلى دمشق مع وفد يضمّ وزراء الأشغال علي حمية والخارجية عبدالله بو حبيب واللواء عباس إبراهيم ومسؤولين آخرين، فيما بدا لافتاً غياب اسم وليد فياض لأنّ الوزارة التي يتولّاها هي أحد المعنيّين الأساسيّين بملف الترسيم.
الغائب الأكبر
أمّا الغائب الأكبر فهو الجيش الذي، أقلّه، لم تبرز أيّ إشارة إليه في الخبر المسرّب من بعبدا. وأتت الخطوة الرئاسية بعد ساعات قليلة من تقليد عون نائب المتن وسام الأرز الوطني من رتبة ضابط أكبر لـ "عطاءاته" المتعدّدة، خصوصاً في ملف الترسيم البحري، مع العلم أنّ أحد السفراء المعنيّين جزم في مجلس خاص أنّ الترسيم احتاج في أسابيعه الأخيرة إلى "روتشة" لأنّه كان بحكم المُنجز.
في المضمون لم يكن قرار عون مجرّد تفصيل "تقنيّ" على مسافة الأيام الأخيرة من نهاية الولاية الرئاسية. يُشبّه العارفون ما حصل بالمرحلة التي حكمت انتقال جبران باسيل من وزارة الطاقة إلى وزارة الخارجية، "إذ فجأة خلال أسبوع نظّم أكثر من عشرة احتفالات لوضع حجر الأساس لمشاريع غير موجودة". حصل ذلك فقط للقول إنّ "التقليعة باسيليّة".
يقول مصدر مطّلع لـ "أساس": "الأمر المؤكّد أنّ عون تقصّد تثبيت موقع جبران باسيل في مواكبة تفاصيل التفاوض مع دمشق، حتى لو كان "لينك" رئيس التيار الوطني الحر مباشراً مع القيادة السورية. كذلك يبدو الأمر "تنفيعة" شكليّة للأميركيين في سياق مفاوضات بالغة الحساسية مع السوريين يَصِفها عون بالأخويّة".
في الشكل أيضاً ألزم عون رئيس الجمهورية المقبل بهويّة رئيس وأعضاء الوفد الذين يمكن أن "يطيروا" بلحظة، خصوصاً الوزراء، إذا حصلت معجزة تأليف الحكومة.
كما أنّ القرار الذي أثار انتقادات نيابية حتى داخل تكتّل لبنان القوي بدا أقرب إلى "تقديم أوراق" اعتماد بو صعب لدى السوريين وتثبيت دوره واسمه في الملف في مرحلة ما بعد 31 تشرين الأول.
متى "يتقاعد" الوفد؟
مع ذلك، يمكن تخيّل المشهد الآتي: في ظلّ تأكيد الرئيس عون ترحيب الرئيس بشار الأسد بخطوة فتح ملف الترسيم البحري على الحدود الشمالية وإبلاغه نيّة الوفد زيارة دمشق هذا الأسبوع، فإنّ ما بعد الإعلان الرئاسي سيكون خطوة في الهواء. فبعد الزيارة الأولى أو الثانية للوفد إلى سوريا لن يجد أعضاء الوفد في قصر بعبدا من يضعون على طاولته نتيجة التفاوض بسبب الفراغ الرئاسي الحتميّ، ولن يجدوا من يأخذون منه "التعليمات الرئاسية" بناءً على الداتا السورية، بالنظر إلى دور رئيس الجمهورية الدستوري في التفاوض وعقد الاتفاقيات والتفاهمات. إلا إذا قرّرت عين التينة أخذ المبادرة وإدارة التفاوض كما فعل الرئيس نبيه برّي منذ العام 2010 حتى توقيع اتفاق الإطار في 1 تشرين الأول 2021، وهو ما يعني "توجيه" الوفد من عين التينة إلى حين انتخاب رئيس جمهورية جديد.
قمّة المفارقات تُتَرجَم من خلال محاربة رئيس الجمهورية لواقع تولّي حكومة تصريف الأعمال مهامّ رئيس الجمهورية في حال عدم انتخاب الرئيس. لكنّ واقع الحال أنّ قراراً رئاسياً مضادّاً سلّم أكثر من وزير في حكومة تصريف الأعمال، المستقيلة بحكم الدستور، مهمّة مصيرية يتحدّثون من خلالها بلسان رئيس الجمهورية بدءاً من هذا الأسبوع.
يبدو واضحاً أنّ القصر الجمهوري لم يأخذ بواقع التجربة الطويلة للمدير العامّ للأمن العام اللواء عباس إبراهيم في فهم العقل السوري وأسرار دهاليزه وتسلّم ملفّات حسّاسة جداً مرتبطة بالجانب السوري، وآخرها ملف استئناف عودة السوريين إلى بلادهم. بدت تركيبة الوفد وهرميّته غير مُقنِعة، وبالأساس صلاحية عملها محدودة جداً، لأنّها ستتغيّر مع أيّ حكومة جديدة ورئيس جديد، وبدءاً من الإثنين المقبل ستصبح عاطلة عن العمل.
لكن ما هي نقاط النزاع مع سوريا؟
في العام 2011 رسّم لبنان الحدود البحرية الشمالية من جانب واحد، بموجب المرسوم 6433، معتمداً طريقة خطّ الوسط. لكنّ السوريين تجاهلوا الترسيم من جانبهم وأداروا الظهر للخطوة اللبنانية حتى العام 2014 حين اعترضوا على الترسيم اللبناني بموجب رسالة موجّهة إلى الأمم المتحدة.
في بداية العام 2021 أصدر الرئيس الأسد قانوناً لزّم بموجبه شركة "كابيتال" الروسية التنقيب عن البترول في بلوك متداخل مع الحدود البحرية اللبنانية (بلوك رقم 1)، بمساحة تُقدّر بحوالي 750 كلم مربّعاً.
يقول مطّلعون إنّ هذه الخطوة السورية أوحت يومها بأنّ دمشق تنوي ترسيم حدودها البحرية مع لبنان بخطّ يكون امتداداً لحدود البلوك النفطي (خط موازٍ لخطوط العرض)، وهو ما يجعل المساحة المتنازَع عليها بين الجانبين نحو ألف كلم مربّع تقريباً، أي 750 كلم مربّعاً هي منطقة تتداخل مع البلوك السوري رقم 1، إضافة إلى نحو 250 كلم مربّعاً هي نهاية المنطقة المتبقّية من خارج هذا البلوك.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :