بقرارها اغتيال الشهيد تامر الكيلاني، فتحت إسرائيل الباب على مرحلة جديدة عنوانها تصعيد الأوضاع الميدانية في الضفة الغربية التي تمضي في الاشتعال، على رغم عمليات الاحتلال المركّزة وتهديداته واقتحاماته التي لا تفتأ تتصاعد. ويُتوقّع أن يشدّد جيش الاحتلال على إثر العملية، من الحصار المفروض على مدينة نابلس منذ 11 الجاري، علّه ينجح في تأليب الرأي العام ضدّ المقاومة، قبل شَنّ عملية عسكرية واسعة في المدينة
رام الله | في تمام الساعة الواحدة والنصف من فجر الأحد، دوّى انفجار هائل في البلدة القديمة في نابلس، مصدره حارة الياسمينة التي شهدت، خلال الأشهر الماضية، اشتباكات مسلّحة عنيفة بين مقاومين وقوات الاحتلال؛ تبيّن بعد دقائق أنه ناجم عن انفجار عبوة ناسفة شديدة الانفجار، استهدفت القائد في مجموعة «عرين الأسود»، تامر الكيلاني (33 عاماً). وتُبيّن المعطيات الأولى أن الكيلاني اغتيل بعبوة ناسفة موجّهة شديدة الانفجار، وُضعت على دراجة نارية في أحد أزقّة حارة الياسمينة، وجرى تفجيرها عن بعد لحظة مروره من جانبها، حيث أصابته بشكل مباشر، وأدّت إلى تفجير جسده إلى أشلاء. وفي بيان صادر عنها، نعت «عرين الأسود» شهيدها، واصفةً إيّاه بأنه من «أشرس مقاتلي المجموعة»، ومتوعّدةً الاحتلال وقادته بـ«ردٍّ قاسٍ وموجع ومؤلم». ونشرت المجموعة مقطعَين مصوّرَين، وثّق الأوّل لحظة استشهاد الكيلاني أثناء مروره من جانب الدراجة النارية، وفي الآخر لحظة وضْع «عميل» الدراجة النارية المفخّخة في البلدة القديمة، متعهّدة بكشف كلّ تفاصيل عملية الاغتيال.
والشهيد الكيلاني متزوّج وأب لطفلَين: يامن الذي يحمل اسم الشهيد يامن فرج ويبلغ من العمر عاماً ونصف عام، وابنة عمرها خمسة أشهر؛ وهو أسير محرّر أمضى ثماني سنوات في سجون الاحتلال، بتهمة الانتماء إلى الذراع العسكرية لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين».
وفيما لم تعلن إسرائيل رسميّاً اغتيال الكيلاني، لكن بصمات «الشاباك» ظهرت جليّة في عملية الاغتيال: أولاها، قوّة العبوة الناسفة التي حوّلت المقاوم إلى أشلاء، ما يدحض فرضيّة الانفجار الداخلي؛ وثانيتها أنها تأتي بعد أيّام من تعهّد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بالعمل ضدّ مجموعة «عرين الأسود»، في ظلّ استمرار الأخيرة في تجنيد عناصر، وجمْع أسلحة والتخطيط لعمليات فدائية. وفي أعقاب عمليّة الاغتيال، رفعت المنظومة الأمنية حالة التأهّب إلى «القصوى»، تحسُّباً لموجة ردٍّ متوقّعة من الجانب الفلسطيني، ما قد يدلّل على تورُّطها في عملية الاغتيال، فيما لمّحت وسائل الإعلام العبرية إلى تورّط إسرائيل في الاغتيال بعد اتهام الكيلاني بالمسؤولية عن سلسلة من العمليات الفدائية، وإرسال محمد ميناوي - الذي اعتقل في ميدان الساعة في يافا - السلاح والذخيرة لتنفيذ عملية في تل أبيب، وتنفيذ عمليات إطلاق نار على قوات الجيش في منطقة نابلس، والتخطيط لهجوم بعبوة ناسفة في محطّة وقود في كدوميم (تم تحييدها)، ويقف خلف إلقاء عبوة على قوات الجيش، وعبوة ناسفة وُضعت بالقرب من «حفات جلعاد» وغيرها.
تفتح عملية اغتيال الكيلاني الباب على مرحلة جديدة عنوانها التصعيد الكبير في الأوضاع الميدانية في الضفة الغربية، وتحديداً في محافظة نابلس. ويُتوقّع أن يشدّد جيش الاحتلال على إثرها، من الحصار المفروض على المدينة منذ 11 تشرين الأوّل الجاري، عقب مقتل جندي بعمليّة تبنّتها «العرين»، في محاولة لحرمان مقاتلي المجموعة من تنفيذ تعهدهم بالردّ على عملية الاغتيال، وإنْ كان الردّ لا يقتصر على نابلس، بل يمكن أن يأتي من أيّ مكان في الضفة الغربية أو القدس، على ضوء عمليتَي الشهيد عدي التميمي. كذلك، تعيد عملية الاغتيال إلى الذاكرة عشرات عمليات الاغتيال التي قامت بها إسرائيل ضدّ قادة المقاومة خلال الانتفاضة الثانية في مدينة نابلس على وجه التحديد، سواء من خلال القصف بالطائرات المروحية كما حصل مع قائد كتائب «شهداء الأقصى»، هاشم أبو حمدان، ورفاقه نادر أبو ليل، ونائل أبو حسنين، ومحمد أبو حمدان، الذين استهدفت سيارتهم بالصواريخ عام 2004؛ أو باستخدام العبوات الناسفة ووضْعها في الأماكن العامة، على غرار اغتيال القادة في مجموعات «فرسان الليلة» في البلدة القديمة، باسم أبو سرية الذي زرعت له عبوة ناسفة في المكان الذي يقصده، والناني جوابرة الذي اغتيل بانفجار هاتف عمومي بعد تفخيخه.
وتحمل عملية الاغتيال التي جاءت بعد أسبوعين من حصار نابلس وفرْض عقاب جماعي على سكّانها، دلالات عديدة؛ أولاها أن هذه السياسة فشلت في تأليب الرأي العام ضدّ المقاومة، إلى جانب فشل الاقتحامات المركّزة التي كانت تقوم بها من وقتٍ إلى آخر، والتي باتت تمثّل خطورة أكبر على جنوده كونها تعرّضهم للخطر، وخصوصاً في ظلّ ارتفاع قوّة الاشتباكات والتصدّي لهم من قِبَل المقاومين. وتَعتقد إسرائيل أن من شأن عمليات الاغتيال أن تُحدث صدمة، سواء في صفوف المقاومين أو حتى الحاضنة الشعبية، وهي مرحلة قد تمهّد لشنّ عملية عسكرية واسعة في مدينة نابلس، لتتدحرج المراحل في ما يشبه إلى حدّ بعيد ما جرى في الانتفاضة الثانية التي اعتَمدت فيها إسرائيل على الاغتيالات بشكل مركّز، قبل أن تشنّ اجتياحاً واسعاً للضفة عام 2002.
ونظراً إلى تطوّر الأحداث في شمال الضفة، وتحديداً في نابلس، بدت عملية الاغتيال متوقّعة لأسباب عديدة، أبرزها تنامي قوّة المقاومة وعملها، وهو ما بات يُقلق المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية. ولوّح العدو، في الأسابيع الماضية، في أكثر من مناسبة، بالعودة إلى سياسة الاغتيالات بحقّ المقاومين، واستخدام الطائرات المسيّرة في ذلك، وقام بالفعل في استخدام تلك الطائرات في بعض اقتحاماته. وعلى مبدأ «طنجرة الضغط» الذي يستخدمه جيش الاحتلال في حصار المقاومين في منازلهم واستخدامه الرصاص الكثيف والصواريخ لإجبارهم على الاستسلام، يبدو أنه قرّر اتباع السياسة نفسها في مدينة نابلس؛ وبالتالي، فإن عملية الاغتيال التي جاءت بعد أسبوعين من حصار المدينة، تأتي لتُراكم عملية الضغط على المقاومين بهدف دفعهم إلى اتخاذ المزيد من الاحتياطات، وهو ما من شأنه أن يعيق قدرتهم على تنفيذ عمليات جديدة ضدّ جنود الاحتلال والمستوطنين، أي سحب مبادرة الهجوم منهم وإبقاؤهم في حالة دفاع عن النفس وملاحَقة.
لا يبدو أن عملية اغتيال الكيلاني ستمرّ مرور الكرام، في ظلّ تعهّد «العرين» القاطع بالردّ المؤلم عليها في وقت قريب، فضلاً عن كونها تضيف وقوداً إلى النار المشتعلة في الضفة الغربية، التي شهدت، خلال الساعات الـ 24 الأخيرة، ثلاث عمليات إطلاق نار أصيب فيها 7 من جنود الاحتلال والمستوطنين، كما سُجّلت عملية طعن ودهس، وتفجير ثلاث عبوات ناسفة، وإلقاء زجاجات حارقة ومفرقعات نارية على قوات الاحتلال والحواجز والنقاط العسكرية، وشهدت اندلاع مواجهات في 9 نقاط في الضفة.
نسخ الرابط :