عندما علق رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري العمل السياسي، وعزف عن الترشح هو واعضاء تياره وبعض من كتلته النيابية في الانتخابات الاخيرة، لم يكن بارادته وليس بقرار ذاتي منه بل بتوجه سعودي، فـ "الحريرية السياسية" التي كانت المملكة وراء ظهورها وانتشارها مع الرئيس رفيق الحريري لا بد من افولها، وانتهت صلاحياتها التي دامت نحو اكثر من اربعين عاما، وكانت قد بدأت في زمن الملك فهد بن عبد العزيز، وانتهت مع الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الامير محمد بن سلمان، الذي لم يتأخر في استدعاء سعد الحريري في 4 تشرين الثاني من العام 2017 وكان رئيساً للحكومة، وفرض عليه الاستقالة من رئاسة الحكومة ولم يُفرج عنه ويغادر الرياض، الا بناء على تدخل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
منذ ذلك العام، بدأت العلاقة السعودية مع الحريري الابن تتوتر، وقد اعطي فترة سماح لاعادة ترتيب وضعه، والعمل ضمن مصلحة السعودية التي لم تكن راضية على ادائه، كما يؤكد مطلعون على رؤيتها تجاه لبنان، اذ هي تحمّل الحريري مسؤولية سيطرة حزب الله على لبنان، وان بيروت هي من العواصم الاربع التي لايران نفوذ فيها، وقد أكد هذا الكلام المستشار السياسي للمرشد العام "للثورة الايرانية" علي اكبر ولايتي من السراي الحكومي حيث كان يزور الحريري قبل يوم من استدعائه الى الرياض، وقد بدأت الشكوك بالحريري وعدم الثقة به، تتصاعد في اروقة المسؤولين السعوديين وتحديداً ولي العهد، الذي باشر حملة "تطهير" داخل بلاده، بدأت بالعائلة الحاكمة وتمددت الى موظفين كبار ومنهم رئيس الديوان الملكي خالد التويجري وصولا الى سعد الحريري، الذي تمت تصفية كل اشغاله، ووضعت مؤسساته بالمزاد العلني بعد ان تراكمت عليه الديون، وتوقف عن دفع المستحقات من قبل شركة "اوجيه سعودي".
فالرابط الذي كان قائما بين الحريري الابن والسعودية انقطع، وانتقل منها الى دبي التي اتخذها مقرا له لمتابعة اعماله ولا يتدخل بالسياسة، الا ان مقربين منه عائليا، او من بقوا معه من "تيار المستقبل" يشجعونه على العودة، وقد طالبوه ان يحضر الى بيروت قبل الانتخابات النيابية ويخوضها، لكن وصلته رسالة سعودية الا يدخل هذا الغمار، فتراجع لكنه سمح لرئيس "جمعية بيروت للتنمية" احمد هاشمية ان يتحرك بما يراه مناسبا، وفق مصادر مطلعة التي تشير الى انه جرى تشجيع نواب كانوا في "كتلة المستقبل" على الترشح لا سيما في عكار، اضافة الى مرشحين في بيروت، فحصلت منافسة بين احمد الحريري وهاشمية، واطلق حينئذ عليه "صراع الاحمدين" لمن يكون القرار، وظهر ذلك في حفلات التكريم او زيارة المناطق لكل منهما.
وكان هاشمية الذي اتخذ من فندق "كمبنسكي" في الرملة البيضاء مقرا له، يتقدم باسم جمعيته ويوزع مساعدات، وحاول اقناع سعد الحريري باعادة تنظيم "تيار المستقبل" وتفعيل دوره، فكان يحرك مناصرين للمستقبل في "الطريق الجديدة" التي تعتبر "عرين الحريرية"، كما في بعض مناطق الشمال والبقاع اضافة الى صيدا، وهذا ما لم يعجب احمد الحريري الذي لم يوفر هاشمية من انتقاداته له، ويقول في مجالسه وامام مقربين منه ان لا صفة له، وان الحريري هو امين عام "تيار المستقبل"، وكان يحضر لعقد مؤتمر عام له، فتأجل لاسباب غير معلومة، ولكنها لها علاقة بـ "الخطر العددي"، وفق ما تكشف المصادر عن ان قرارا اتخذ في الرياض بعدم عودة "الحريرية السياسية"، حيث ينقل السفير السعودي في لبنان وليد البخاري اجواء المسؤولين السعوديين، بان لا "رجعة عن قرار استبعاد الحريري عن العمل السياسي"، واكد امام وفد من بيروت، ان الدعم الذي قدمته المملكة لرفيق الحريري وليس لسعد فقط، كان بلا حدود، وكان ممثلها على طاولات الحوار في جنيف ولوزان والطائف وتعترف له بانجازات، لكن النتائج لم تكن كما يرجى منها، منذ ما بعد اتفاق الطائف الذي لم يطبق، لا بل دخل لبنان في مرحلة محاصصة ومكاسب وفساد.
وما يقال ويشاع عن عودة للحريري الى بيروت لاستعادة حضوره السياسي وتفعيل "تيار المستقبل"، هو في اطار الترويج من وقت الى آخر، وان هاشمية يعمل على ان يكون له الدور الفاعل، ويحاول اقناع الحريري بان جمهوره ما زال موجودا، وان تكريم هاشمية في سعدنايل من قبل خالد الحشيمي في حضور نواب حاليين وسابقين وفاعليات، تأكيد على ان "الساحة السنية" بحاجة الى الحريري مع تشتت المرجعية. وقد نقل هاشمية هذا الواقع الى الحريري في دبي، حيث توجد هناك بهية الحريري، التي سبق لها وزارت مع ابنها نادر قطر.
لكن هذا التحرك لهاشمية اغضب السعودية التي تتحدث مصادرها عن انه غير مرغوب لديها، وعليه ملفات عندها، كما ان السفير البخاري ابدى اشمئزازه مما يجري، اضافة الى ان صراعات تدور بين مَن يحاولون وراثة "الحريرية السياسية".
نسخ الرابط :