تستعدّ «الشركة المصرية للغاز» (إيجاس) للبدء في أولى خطواتها العملية، لتشغيل حقل «مارين» الفلسطيني الواقع قُبالة شواطئ قطاع غزة، وذلك بموجب تفاهمات توصّلت إليها مع «صندوق الاستثمار الفلسطيني». وهي تفاهمات سبقتْها مباحثات مصرية - إسرائيلية تولّاها من الجانب المصري جهاز المخابرات العامة، وانتهت إلى موافقة تل أبيب على بدء الشركة عملها في الحقل المذكور، في ظلّ اشتداد الحاجة الغربية إلى بدائل من الغاز الروسي، وتصاعُد تهديدات المقاومة الفلسطينية باستخدام أدواتها لانتزاع حقّ القطاع في الثروة الغازية. وبحسب مصادر مطّلعة تحدّثت إلى «الأخبار»، فستعمل مصر، بمقتضى الاتفاق، على تسييل الغاز «الإسرائيلي» في محطّتَيها الرئيستَين (دمياط ومدكو) تمهيداً لتصديره إلى أوروبا، على أن لا تُعيق تل أبيب، في المقابل، استخراج «إيجاس» الغاز من الحقول الفلسطينية. وبهذا، تَراجعت سلطات الاحتلال عن اشتراطها سابقاً نقل الغاز الفلسطيني من خلال أنابيب إلى ميناء عسقلان، ليجري توزيعه من هناك على غزة والضفة أو تصديره إلى الخارج، بل وافقت على تصديره إلى مصر، لتتمّ منها إعادة تصدير كميّة منه إلى أوروبا، فيما الكميّات الأخرى سيجري إمداد الضفة الغربية وقطاع غزة بها.
وتَكشف المصادر عن وجود «بنود سرّية» في التفاهمات بين إسرائيل ومصر، وأيضاً بين «صندوق الاستثمار الفلسطيني» و«إيجاس»، بعضها يشير إلى أن تصدير الغاز الفلسطيني سيكون جزءاً من الاتفاقية التي كانت وقّعتها دولة الاحتلال مع مصر والاتحاد الأوروبي، في حزيران 2022، والتي قضت بأن تقوم الأولى بإمداد الأخير بالغاز عبر مصر (نقطة إسالة). كما تَكشف أن الصيغة النهائية للاتفاق الفنّي بين «الاستثمار الفلسطيني» والشركة المصرية، تنصّ على أن يبدأ التصدير من حقل «مارين» خلال عامَين ونصف العام، وأن يتمّ ذلك لصالح السلطة الفلسطينية، في حين تشترط الصيغة المُشار إليها تصدير الكمّيات المتبقّية إلى أوروبا بعد إسالتها في محطّات مصرية. وبحسب اتّفاق سابق وُقّع في شباط 2021 بين «الاستثمار الفلسطيني» و«إيجاس»، يمتلك الأوّل حصّة تبلغ 27.5% من الحقل، فيما تمتلك «شركة اتحاد المقاولين» (CCC) الحصّة نفسها، فيما تكون الحصّة المتبقية البالغة 45% لصالح الشركة المصرية. ونصّ الاتفاق المذكور، حينها، على أن تقوم «إيجاس» بتطوير حقل «مارين»، والبنية التحتية اللازمة لتوفير احتياجات فلسطين التجارية من الغاز الطبيعي. والجدير ذكره، هنا، أن الفلسطينيين يملكون أوّل حقل اكتُشف في منطقة شرق المتوسط نهاية تسعينيات القرن الماضي، معروف باسم «غزة مارين»، ولم يتمّ استخراج الغاز منه حتى اليوم بسبب الرفض الإسرائيلي. ويقع الحقل على بُعد 36 كيلومتراً غرب غزة في مياه المتوسّط، وجرى تطويره عام 2000 من طرف «شركة الغاز البريطانية» (بريتيش غاز)، التي عادت وخرجت منه لمصلحة شركة «رويال داتش شل»، قبل أن تُغادر الأخيرة بدورها عام 2018. ويقدَّر الاحتياطي في الحقل بـ1.1 تريليون قدم مكعّب من الغاز الطبيعي، أي 32 مليار متر مكعّب، بما يعادل طاقة إنتاجية تبلغ 1.5 مليار متر مكعّب سنوياً، لمدّة 20 سنة.
من جهتها، كانت فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وخصوصاً حركة «حماس»، بدأت منذ مدّة مساعي سياسية وميدانية لوضع ملفّ الغاز الفلسطيني على الطاولة، سواءً من خلال مباحثاتها مع الجانب المصري، أو من طريق تنفيذها مناورات بطائرات مسيّرة لإفهام العدو قدرتها وإرادتها استهداف منشآته في حال استمرار تعطيله استخراج الغاز من بحر القطاع (راجع ملفّ: غزة على طريق لبنان: هذا الغاز لنا!، «الأخبار»، 21 أيلول 2022)، واستفادة الأخير منه في تأمين احتياجاته، وتحديداً من أجل تشغيل محطّة توليد الطاقة الكهربائية الوحيدة فيه. وفي ظلّ الحديث اليوم عن اتفاقية مصرية - إسرائيلية - فلسطينية لبدء الاستخراج (أكدته «هيئة البثّ الإسرائيلية أمس)، والذي يبدو مدفوعاً في جزء منه بتلك التهديدات، تعتزم المقاومة في غزة «في حال تجاوُزها في هذا الملفّ، وعدم استشارتها، وعدم جعْل جزء من العائدات لصالح المواطنين في القطاع، العمل على إعاقة الاستخراج»، وفق ما تَكشفه مصادر فلسطينية مطّلعة لـ«الأخبار». وتتّهم الفصائل الفلسطينية، «صندوق الاستثمار الفلسطيني»، ومِن خلْفه السلطة الفلسطينية، بإحاطة قضية الغاز بالغموض، وسط شبهات فساد قديمة - جديدة تحوم حول هذا الملفّ، ومخاوف مستجدّة من بنود غير معلَنة في الاتفاق الأخير، من شأنها الإضرار بحقوق الفلسطينيين.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :