حفل تاريخ الموارنة بثنائيات سياسية تخاصمت في معظم الأحيان، من بشارة الخوري - إميل إده إلى فؤاد شهاب - كميل شمعون وبيار الجميل - ريمون إده وسليمان فرنجية - ريمون إده، وثنائية كميل شمعون - بيار الجميل في الجبهة اللبنانية وثنائيات سمير جعجع مع كل من إيلي حبيقة وأمين الجميل وميشال عون... لكنّ الرئاسة الأولى كانت القاسم المشترك الذي سعى إليه جميعهم. في استحقاق 2022 ثنائية تكاد تصبح تاريخية هي التيار الوطني الحر - القوات اللبنانية من دون أن يتقدم أحدهما حتى الآن على الآخر، في صناعة الحدث الرئاسي
أوصلت القوات اللبنانية قائدها بشير الجميل إلى رئاسة الجمهورية، وأوصل التيار الوطني الحر رئيسه العماد ميشال عون إلى الرئاسة. بفارق 34 عاماً، تغيّرت ظروف القوات ونضجت ظروف التيار العوني الذي أصبح التيار الوطني الحر. وكلاهما يحاولان تكرار التجربة بإيصال رئيس للجمهورية، مع اختلاف المشهد الإقليمي والتسويات والشركاء.
التيار الوطني الحر هو المشروع الذي بدأ عام 1989 ووصل إلى ذروته عام 2016 بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. التيار الصاعد في نهاية الثمانينيات لم يتح له خوض معركة الرئاسة كمرشح، لكنه خاضها من ناحية فرض شروط رافقت اتفاق الطائف وعلاقة عون بنواب مجلس عام 1972، وأدت إلى صراعات داخلية ومسيحية متتالية. خصوم عون يتهمونه، منذ أن كان رئيساً لحكومة انتقالية، بأنه معرقل مزمن لانتخابات الرئاسة وليس مسهّلاً لها. ما لم تصل إليه لن تكون لغيره. لم يعترف بانتخاب الرئيس رينيه معوض وعارض انتخاب خلفه الرئيس الياس الهراوي، وعلى الطريق كانت حرب الإلغاء والتحرير ومن ثم نفيه إلى فرنسا. أول احتكاك لعون مع رئاسة الجمهورية جاء عن طريق معارضة انتخاب رئيسَي الطائف الذي وقف ضده بشدة. ولم يكن أكثر ليونة مع انتخاب الرئيس إميل لحود رغم أنه آت من قيادة الجيش، المكان الأحبّ إلى قلب الجنرال. ظل القصر الجمهوري حلم رئيس الحكومة الانتقالية وقائد الجيش السابق، وحين عاد إلى بيروت عام 2005، بدأت خيوط اللعبة الرئاسية تتشابك. ما فعله عون منذ أن عاد، كان يعرف خاتمته: قصر بعبدا ولا شيء يمكن منعه من تحقيق ذلك. وصل إلى بعبدا عام 2016. بعدما عرقل مسار الانتخابات إلى أن نضجت التسوية مع حزب الله والرئيس سعد الحريري والقوات اللبنانية. لكنّ المعركة لم تنته بالنسبة إلى التيار.
ما بدأه عون واختتمه في قصر بعبدا، مختلف عمّا بدأه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. معركة الأخير مع الرئاسة لم تبدأ في اللحظة التي أصبح عون فيها رئيساً للجمهورية. بل قبلها، وقت بدأ الكلام في ظل عون عن الحصص المسيحية والتوازنات والشراكة، والتفاهمات من مار مخايل إلى معراب، ولو بفاصل سنوات بينهما، وعن الرئيس الأكثر تمثيلاً والكتلة النيابية الكبرى. خاض باسيل خصومات مع معظم الكتل السياسية، بما فيها حزب الله، وصاغ تحالفات، منها ما هو «على القطعة» ومنها ما هو استراتيجي، وعينه على بعبدا. مشوار باسيل الرئاسي يبدأ من تسوية الدوحة وموافقة عون على انتخاب الرئيس ميشال سليمان وصولاً إلى «إنجازه» بدخول عون قصر بعبدا وفي تحوّله إلى حزب العهد. الحزب الذي وقف إلى جانب عون خاض معاركه في كل الاتجاهات، مع الحريري ومع القوات ومع الرئيس نبيه بري ومع فرنجية ومتظاهري 17 تشرين الأول، لكنه ظل تحت سقف تفاهم استراتيجي مع حزب الله، الناخب الأول في معركة الرئاسة.
المرشح الدائم، ولكن غير المعلن رسمياً، وخليفة عون الذي قلق خصومه من أنه قد يكون رئيساً مقبلاً، قبل أحداث 17 تشرين والعقوبات الأميركية، لا يرتضي أن ينتهي العهد من دون أن يكون التيار ناخباً أولَ إن لم يكن مرشحاً أولَ. بهذا المعنى، تجربة عون رئيساً ليست خاتمة بل بداية، رغم أن إعداد عون لخلافته اصطدم بتدهور لا مثيل له على كل المستويات، السياسية والأمنية والاقتصادية. لا يعني ذلك أن مشروع الخلافة انتهى. ويمكن الرهان على أن الفراغ قد يطول ما لم يبارك التيار أي تسوية. وعلى الطريق إليها، يحاول إبعاد كل المرشحين المحتملين عسكريين ومدنيين، ويسعى في ظل ذلك إلى التمسك بفكرة الرئيس القوي والأكثر تمثيلاً. لكنه مع ذلك لا يطرح أسماء ولا يتبنّى مرشحاً، بل يقدم مشاريع على قاعدة الرئاسة القوية والرئيس القوي ومعهما فتح باب الحوار، وإن كان الجميع يعلم أن باسيل من النوع الذي يحاور أحادياً. وهو يخوض اليوم معركة رئاسة الجمهورية معزّزاً بكتلة نيابية، لكن بعض حلفائه لم يعد في المجلس النيابي وخصومه يتضاعفون. ورغم أنه يصر على مظلة عون للتيار إلا أن الواقعية تفترض القول إن باسيل يخوض حتى الآن معركة الرئاسة وحدَه.
القوات من بشير إلى جعجع
للقوات دور في الرئاسيات منذ أن خرج رئيسها سمير جعجع من السجن. لكن لا شك أن دورها الذي أوصلها عام 1982 إلى انتخاب قائدها رئيساً للجمهورية لا يزال يطغى على تعامل خصومها معها. حين ترشح جعجع إلى رئاسة الجمهورية بعد الفراغ الرئاسي الذي أعقب انتهاء عهد سليمان، كان يعتبر ذلك حقاً طبيعياً في مسار حياة القوات السياسية منذ أن انتُخب بشير الجميل رئيساً وصولاً إلى الحقبة التي كرّست جعجع قائداً لـ«المقاومة» التي أصبحت حزباً رسمياً. الذراع العسكرية لحزب الكتائب التي صارت جسماً مستقلاً ناهضت الكتائب، وحاربت كل الأحزاب المسيحية تحت مسمى توحيد البندقية، من إهدن إلى الصفرا، وتدرّجت من لاعب في الحرب إلى لاعب في السلم. واذا كانت صنعت بمعية أركان الجبهة اللبنانية رئيساً للجمهورية، إلا أنها منذ عام 1982 لم تنجح في أن تعيد التجربة. لكن كانت لها أدوار أخرى على طريق الرئاسيات.
15 كانون الثاني 1986، يوم الانقلاب على حبيقة والاتفاق الثلاثي، أسّس لدخول جعجع العسكري السياسة من بابها العريض، في ظل عهد الرئيس أمين الجميل الحافل بخضّات أمنية وسياسية. مع اقتراب نهاية عهد الجميل، بدأت بكركي تحتضن اجتماعات نيابية مسيحية لانتخاب خلف له. كان الجميل يعد بأنه يحضّر لحل ولرئيس يخلفه. لكنه كلّف قائد الجيش العماد ميشال عون بترؤّس حكومة انتقالية. وكان جعجع يتهيأ لمثل هذا الاستحقاق، بعدما نبّه الجميل منه.
يقول كريم بقرادوني إن العلاقة المتوترة بين عون وجعجع حملت الجميل وجعجع على وضع فيتو على اسم عون كمرشح محتمل. لكنه يروي كيف كبر التقارب بين الخصمين «عندما التقت مواقفهما على تعطيل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 18 آب 1988 لمنع وصول سليمان فرنجية المرشّح الوحيد من الوصول». وتحسّنت علاقتهما عندما رفضا معاً اتفاق مورفي - الأسد الذي قضى بفرض مخايل الضاهر مرشحاً وحيداً لرئاسة الجمهورية. لكن تكليف الجميل لاحقاً عون برئاسة الحكومة الانتقالية، كسر العلاقة بين عون وجعجع وبين جعجع والجميل. بدأت حرب الإلغاء ومن ثم التحرير، فكان اتفاق الطائف الذي أيّده جعجع. خرج عون من لبنان ودخل جعجع إلى السجن.
حاول قائد القوات، بعد خروجه من السجن عام 2005، إعادة الإمساك بالشارع المسيحي. لكنّ عودته وعون أيقظت خصومات الماضي. وساهمت ورقة التفاهم بين الجنرال وحزب الله في تكريس الخلافات. لم تفز القوات في انتخابات عام 2005 بما كانت تريده في مقابل صعود عون نيابياً. وسعى جعجع إلى بناء قيادته مجدداً. تسوية الإفراج عنه واغتيال الحريري وخروج السوريين من لبنان فتحت صفحة جديدة بين قوى سياسية وطائفية جعلت لقاء جعجع مع القوى السُّنية المعارضة سهلاً وبنى ركيزة مصالحة، وكذلك الأمر مع الحزب التقدمي الاشتراكي بعد إقفال ملف حرب الجبل وإتمام المصالحة برعاية البطريرك مار نصرالله بطرس صفير. جاءت أحداث 7 أيار ومن ثم اتفاق الدوحة ليزيدا التصاق القوات بالطرف السني. شارك جعجع في حوار الدوحة وبارك تسوية انتخاب سليمان وقانون الانتخاب المبني على أساس دوائر 1960.
في نيسان عام 2014، أعلن حزب القوات ترشيح رئيسه للانتخابات الرئاسية. عُقدت الجلسة الأولى لانتخاب الرئيس في 23 نيسان عام 2014، وحصل جعجع على 48 صوتاً. واستمر الفراغ الرئاسي لمدة سنتين ونصف سنة. بين الاقتراع لجعجع وترشيح الحريري وفرنجية نحو سنة ونصف سنة، صار فيها انتخاب جعجع من سابع المستحيلات، وبدأت تظهر خلافات الصف المعارض الواحد. إلى أن وصلت أصداء لقاء الرئيس سعد الحريري ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية إلى معراب فتحولت من متفرجة إلى مبادرة. عارضت القوات مجيء فرنجية رئيساً، وبدأت خطوات المصالحة بين التيار والقوات تتقدّم. في 18 كانون الثاني عام 2016، شرب عون وجعجع الشمبانيا احتفالاً بالمصالحة وبالتفاهم لانتخاب عون رئيساً للجمهورية. لم يدم شهر العسل، فالقوات تعتبر أنها ساهمت مسيحياً في إيصال عون وتتهم التيار بخرق ورقة التفاهم بينهما، والتيار يعتبر دور القوات ثانوياً في تسوية عون - الحريري - حزب الله، ويتهمها بالانقضاض على التفاهم ومحاربة العهد من الداخل.
استعر الخلاف مجدداً قبل الانتخابات النيابية الأخيرة التي حقّقت فيها القوات تقدماً على الأرض، لاستثماره في معركة الرئاسة. كان الاعتقاد بأن جعجع سيكرر تجربة ترشحه ولو كان الاتجاه السائد إلى رئيس تسوية، لكنّ القوات أعلنت ترشيح النائب ميشال معوض، وهذا يعني أن جعجع وضع نفسه في الدرجة الأولى في صفوف الناخبين الأوائل، حين صاغ تفاهماً مع الكتائب والتقدمي الاشتراكي وحركة «تجدد». إلا أن الملف لم يُقفل بعد، ومسار الانتخابات طويل. ورغم التحولات السياسية ولا سيما بعد عام 2005، وتغير تحالفاتها من تيار المستقبل إلى الحزب التقدمي الاشتراكي، لا تزال القوات تواجه عداء تحول من فريق إلى آخر ورسا أخيراً لدى الثنائي الشيعي وحزب الله الذي لا يزال يقف ضد مشروعها السياسي وضد وصولها إلى رئاسة الجمهورية
أو انتخاب رئيس من طرفها. وهذا يزيد من قلقها من أن تضطر مرة أخرى إلى إجراء تسويات في الاستحقاق الرئاسي في ظل تشرذم المعارضة.
بين القوات والتيار كثير من القواسم المشتركة، وكثير من الاختلافات، ولعلهما يفضّلان دوماً أن يكونا وحدهما في ساحة مسيحية وتكون لهما كلمة فاصلة في أي من الملفات، وفي مقدمها رئاسة الجمهورية. العهد ينتهي بعد أسبوعين، وما هو مؤكد أن كليهما لا يزالان يتمترسان حول مواقفهما المتباعدة في صياغة هوية الرئيس ودوره.
غياب القرار الماروني عن انتخاب الرئيس
كان رئيس الجمهورية الماروني رمزاً للدور الماروني الفاعل في بنيان دولة لبنان الكبير والاستقلال، ويكاد يصير رمزاً لدولة تتنازعها الحروب والانقسامات، ولم يعد يشكل أولوية في سلّم الاهتمامات السياسية بعدما صارت سنوات الفراغ تعادل عهداً رئاسياً كاملاً. مع انتخاب الرئيس ميشال عون، بدا أن الموارنة هم الذين انتخبوا رئيسهم، لكن واقع التسويات يُعيد السؤال إلى المربع الأول: هل يصل إلى رئاسة الجمهورية من يريده الموارنة، أو هل لا يزال في إمكانهم إيصال رئيس للجمهورية يمثلهم، وأي دور للتكتلات الكبرى في اختيار الرئيس ولو مع تسويات سياسية مع قوى محلية وإقليمية؟ ما قبل الحرب وبعدها، مشهدية الأحزاب السياسية في إيصال رئيس للجمهورية، توازيها تجارب التكتلات الكبرى في الوقوف إلى جانب الرئيس أو مخاصمته حتى إسقاطه شعبياً ومنع التمديد له. وفي استحقاق عام 2022، يعود دور القوى الحزبية، فيما تغيب المرجعيات المارونية والشخصيات القيادية الفاعلة. لكن هذه القوى قد لا تجد مفراً من الخضوع لتأثيرات خارجية فتُعيد تجربة الدوحة وانتخاب رئيس تسوية غير ممثل للرأي العام المسيحي الماروني سواء كان عسكرياً أو مدنياً.
من الصعوبة الجزم بأن أي رئيس ماروني هو وليد اختيار الموارنة المطلق له. وإن كان زعماء الموارنة أتوا رؤساء جمهورية، كبشارة الخوري وكميل شمعون وسليمان فرنجية وبشير الجميل وميشال عون. لكن التسويات التي أتت بهم إلى كرسي الرئاسة، غطّت على زعامتهم. فقبل الحرب وبعدها تغير شركاء التسوية من السنة والدروز إلى الشيعة والسنة، عدا توافق القوى الإقليمية على شخص الرئيس الآتي أحياناً كثيرة على وقع علاقات ومحاور إقليمية ودولية.
اليوم تصبح لاختيار رئيس الجمهورية حيثيات مختلفة في بلد تطور فيه النظام السياسي وتبدلت معالمه بسبب الحرب وارتفاع أو تراجع تأثير الأحزاب المسيحية وهاجس الديموغرافيا والمتغيرات السياسية الإقليمية والدولية. وإذ أصبحت نزعة الرئيس القوي عنواناً جذاباً، يبقى للأحزاب المسيحية دور يتقدم أو يتقلص في صياغة حضورها في رئاسة الجمهورية، في اختيار الرئيس أو في الوقوف إلى جانبه أو معارضته. من الكتلة الدستورية والكتلة الوطنية إلى الكتائب والأحرار والقوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والمردة، إلى تجربة الجبهة اللبنانية، وتجمعات نيابية مستقلة وأخيراً قرنة شهوان. لكل من هذه الأحزاب والتكتلات تأثيرها إن لم يكن في الانتخابات الرئاسية مباشرة إنما في الحضور السياسي الذي ساهم في معارضة أو دعم الرئاسة الأولى.
لم يأت كميل شمعون رئيساً بفعل حزب الوطنيين الأحرار الذي أسّسه بعد خروجه من الحكم، ولم ينتخب رئيس حزب الكتائب بيار الجميل رئيساً للجمهورية، ولم يأت أمين الجميل رئيساً بفعل حزب الكتائب بل بفعل اغتيال شقيقه قائد القوات اللبنانية بشير الجميل، ولم ينتخب عميد الكتلة الوطنية ريمون اده المرشح الدائم لرئاسة الجمهورية رئيساً. خرق بشير الجميل وميشال عون المسار الرئاسي، لكن عهد قائد القوات اللبنانية لم يبدأ، وعهد قائد التيار الوطني الحر ينتهي على وقع خضّات سياسية وأمنية واقتصادية غير مسبوقة. وبين الكتل الحزبية والتكتلات السياسية، ثمة مساحات سياسية مؤثرة أسهمت في وضع إطار حماية للرئاسة وتأمين الظروف الأفضل ومواجهة التحديات التي تواكب الانتخابات. من الحلف الثلاثي إلى الجبهة اللبنانية فقرنة شهوان، ثلاثة نماذج مختلفة ساهمت في ظروف سياسية متناقضة، في أن تحول الساحة المارونية عصباً حياً، وتجعل من الرئاسة خصماً أو حليفاً، وفي كلا الحالتين تحت سقف رؤية لدور الرئاسة خارج إطار المماحكات المحلية والتأثيرات الإقليمية.
وقف الحلف الثلاثي ضد الشهابية، لكنه أوصل الرئيس سليمان فرنجية، إنما بفعل القدرة على تأمين أصوات إسلامية له، ورضى إقليمي عليه. ووقفت الجبهة اللبنانية إلى جانب الرئاسة الأولى من سليمان فرنجية (وإن افترقا لاحقاً) إلى الرئيس الياس سركيس وبشير الجميل حكماً. ووقفت قرنة شهوان معارضة لرئاسة الجمهورية يوم كان الرئيس اميل لحود مساهماً في فرض الوصاية السوريّة، وفي توقيف المعارضين، وقمع الحريات، وذهبت أبعد ما ذهب إليه راعيها البطريرك مار نصرالله بطرس صفير في دعم إنهاء تمديد لحود في ظل تطورات عام 2005.
قد تكون تجربة قرنة شهوان أكثر تمايزاً من تجربة الجبهة والحلف الثلاثي، فالقرنة التي بنت نفسها على قاعدة غير حزبية وإن ضمت ممثلين لأحزاب مسيحية، إلا أنها ساهمت في أكثر المراحل دقة من تاريخ لبنان الحديث في تقديم صورة مختلفة عن الحسابات السياسية الضيقة، وعملت على تأطير جهد جماعي في مواجهة سوريا والنظام الأمني ورئاسة الجمهورية حين غطت الارتكابات التي مورست ضد المعارضة. لكن ما ميز القرنة أنها أخرجت الشارع المسيحي للمرة الأولى من الثنائيات الحزبية ومن سطوة الأحزاب في مجتمع عرف أكبر هزة اجتماعية وسياسية وأمنية في الثمانينيات نتيجة الاقتتال المسيحي الداخلي. ولعل تلك كانت أكبر «خطايا» القرنة في مواجهة أحزاب متجذّرة تضع أمامها عنوان قيادة المجتمع المسيحي تحت أي عنوان: الحصول على الأكثرية النيابية والحصة الوزارية الأكبر والتعيينات ورئاسة الجمهورية لمن هو أكثر تمثيلاً. وكان أول ما فعلته الثنائيات الحزبية حين عادت للتحكم في الساحة المسيحية أن أطاحت بالقرنة والمستقلين، على طريق برمجة العودة مجدداً إلى القيادة برأسين. وهذه القيادة ستكون اليوم أمام محكّ انتخاب رئيس للجمهورية. وهذا الاستحقاق، يحملها مسؤولية مزدوجة في اختيار الرئيس العتيد، على أعتاب تسويات جديدة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :