تتعرض لجنة الرقابة على المصارف لضغوط كبيرة، هدفها عدم إلزام مصارف كبرى بتغطية الجزء الأساسي من الخسائر المسؤولة عنها. ففي سياق دراسة مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف، اقترحت اللجنة احتساب الخسائر المتوقعة لدى المصارف بنسبة 85% على سندات اليوروبوندز، و70% على توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان، وهو ما رفضه مصرف لبنان الذي يحاول أن يفرض على اللجنة آلية تخمين للأصول العينية (العقارات بشكل أساسي) التي تملكها المصارف بشكل يغطّي غالبية الخسائر المتوقعة، ويخفف عنها موجبات إعادة الرسملة بأموال جديدة.
حالياً، تسجّل المصارف في ميزانياتها أن لديها توظيفات لدى مصرف لبنان بقيمة تعادل 111 مليار دولار، وأنها تحمل أيضاً نحو 3.9 مليارات دولار من سندات اليوروبوندز. لكن هذه التوظيفات لم تنخفض إلى هذا المستوى مقارنة مع كانت عليه في نهاية 2019، إلا أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، قرّر أن يلتفّ على المسار الحكومي لتوزيع الخسائر، وأن يطلق مساراً موازياً استمرّ منذ أول أيام الأزمة. فتوظيفات المصارف لدى مصرف لبنان كانت تبلغ 117.7 مليار دولار في نهاية 2019، وسندات اليوروبوندز كانت تبلغ 13.8 مليار دولار (انخفضت إلى 9.34 مليارات دولار في نهاية 2020 بسبب قيام المصارف ببيع السندات لجهات أجنبية). ومن أولى بشائر هذا المسار الذي أطلقه الحاكم منفرداً، إصدار التعميم 543 في 3 شباط 2020، والذي قضى بأن تحتسب الخسائر المتوقعة من هذه التوظيفات وفق النسب الآتية: 45% على سندات اليوروبوندز، و1.89% على توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان. بهذا المعنى، باتت المصارف مجبرة على تخصيص مؤونات على الخسائر المتوقع أن تصيب هذه التوظيفات تبعاً للاستحقاقات والآجال.
هذه النسب المتدنية شكّلت مفاجأة لكل المعنيين ولا سيما أن الجزء الأكبر من الخسائر في القطاع المالي (يسمّى اليوم، مواربة، فجوة مالية) مصدره التوظيفات لدى مصرف لبنان. وقد أثار الأمر استياء العاملين على إنجاز الخطط الحكومية، وممثلي الشركة الاستشارية «لازار»، وممثلي صندوق النقد الدولي. وما يظهر بوضوح، اليوم، هو أن الخسائر المتوقعة أكبر بكثير. لذا اقترحت اللجنة في سياق المناقشات المتعلقة بإعداد مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف، رفع نسبة الخسائر المتوقعة إلى 85% على سندات اليوروبوندز، وإلى 70% على توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان (تقدر هذه التوظيفات بالعملة الأجنبية بنحو 73 مليار دولار). إذ تعتبر اللجنة أن هذه النسب أكثر واقعية. لكن الحاكم لا يكتفي برفض الفكرة من أساسها، بل يريد أن يتيح للمصارف «الغشّ» من خلال عملية تخمين موجوداتها الثابتة (ولا سيما العقارية)، إذ يقترح آلية تخمين تتيح للمصارف نفخ قيم هذه الموجودات لتغطية الخسائر مهما بلغ حجمها، لحماية مجموعة من المصارف التي يحبّذها والتي تملك كثيراً من العقارات إذا ما خمّنت بشكل ملائم ستجنّب أصحابها من موجبات واسعة في إعادة الرسملة، وتتيح لهم إحياء مصارفهم بضخّ رساميل ضئيلة مقارنة بما كان يتوجب عليهم، وتجنيب أصحاب المصارف إعادة الأرباح المهرّبة التي راكموها من المال العام على مدى 23 عاماً.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :