لم تقل السعودية كلمتها النهائية في الاستحقاق الرئاسي اللبناني، سوى ما صدر في البيان الثلاثي المشترك الاميركي ـ الفرنسي ـ السعودي، والذي حدد شروطاً لمن تقبل به الدول الثلاث كمرشح لرئاسة الجمهورية، واول هذه الشروط ان لا يتكرر ما حصل في»التسوية الرئاسية» التي حصلت في العام 2016، بين رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري، ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، والوسيط بينهما نادر الحريري، الذي كان يشغل منصب مستشار ابن خاله سعد، وهو الذي كان له الدور في طبخ هذه التسوية، وانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وتمكين حزب الله من «ان يسيطر على القرار اللبناني» وفق الاتهام الذي وُجه الى الحريري في الرياض بعد احتجازه في 4 تشرين الثاني 2017.
فما يشغل المملكة، هو ان لا «يتسلل» رئيس آخر الى القصر الجمهوري بمواصفات العماد ميشال عون الذي سماه حزب الله، وانتظر معه عامين ونصف العام ليصل الى الرئاسة الاولى، هذا ما ينقله مطلعون على موقف السعودية، لا سيما ولي العهد فيها الامير محمد بن سلمان، الذي سبق له وتحدث مع الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون في الوضع اللبناني، اثناء القمة التي جمعتهما في الرياض في كانون الاول من نهاية العام الماضي، حيث شدد الرجلان على ان لبنان بحاجة الى رجل اصلاح، يقوم بانقاذه من ازمته المالية والاقتصادية والاجتماعية، بالتعاون مع حكومة من خارج الطبقة السياسية الحاكمة، رئيسا واعضاء، حيث ذكّر ماكرون مضيفه الامير محمد، بأنه هذا ما طرحه على قيادات القوى السياسية والحزبية اللبنانية، اثناء لقائه بها في قصر الصنوبر في بيروت، اثر الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت في 4 آب 2020، وتمت تسمية السفير مصطفى اديب، الذي واجه صعوبات في تشكيل الحكومة فاستقال بعد اسبوعين.
وتترجم الرياض توجهات ولي العهد، والتي بدأت بعزل الرئيس سعد الحريري عن الحياة السياسية، وانتهاء مرحلة «الحريرية السياسية»، لانها وخلال فترة حكمها منذ الرئيس رفيق الحريري عام 1992 وصولاً الى سعد الحريري، تراكمت الديون، وبمشاركة قوى سياسية وحزبية هيمنت على مؤسسات الدولة وتقاسمتها، وفق ما ينقل مطلعون على موقف المملكة، التي لا تغيِّب دور مسؤولين سوريين سياسيين وامنيين وعسكريين، عن تأمين الغطاء لمجموعات سياسية افسدت البلد، الا ان ما يؤلم المسؤولين السعوديين، ان حلفاء لهم في لبنان، كانوا في اساس هذا الفساد اثناء الوجود السوري، وبعد خروج القوات السورية يسمع زوار الرياض انتقادات للحلفاء قبل الخصوم حول الوضع اللبناني، الذي انكفأت عنه المملكة التي رعت اتفاق الطائف، والذي اوقف الحرب الاهلية، وحقق اصلاحات في النظام السياسي، لم ينفذ، الا القليل منها.
من هنا، فان السعودية تنظر الى رئاسة الجمهورية، كاستحقاق سياسي ووطني، وهي ستعمل مع اطراف دولية، لا سيما واشنطن وباريس، على وضع البيان المشترك موضع التنفيذ، وفق ما يقول المطلعون، الذين سمعوا بان المملكة لن تستقبل على ارضها من هو فاسد وقاتل، وستعمل مع لبنانيين مخلصين على تطبيق اتفاق الطائف، وعودة لبنان الى محيطه العربي، وتحقيق اصلاحات سياسية واقتصادية ومالية، ومن تتوفر فيه هذه الشروط او المواصفات يكون مرشح المملكة، التي لم تعلن عن اي اسم كمرشح تدعمه لرئاسة الجمهورية وهي لا ترى ان مهمتها سهلة، ولكنها لن تنكفىء مع الاستحقاق الرئاسي، الذي غابت عنه منذ انتخاب العماد اميل لحود 1998 الذي رشحه الرئيس السوري حافظ الاسد، ثم العماد ميشال سليمان الذي انتجه اتفاق الدوحة، والعماد ميشال عون الذي اوصلته «التسوية الرئاسية»، التي خُدعت بها، كما يؤكد المطلعون.
ولا تغيب التركيبة الطائفية والسياسية عن تفكير من يتابعون الملف اللبناني في المملكة، اضافة الى التأثير الدولي والاقليمي، لذلك هي تسعى ان تكون ناخباً شريكاً في رئاسة الجمهورية بشروطها، كما في كتلة نيابية وازنة تؤثر في الانتخابات، فحرّكت دار الفتوى التي دعت الى «لقاء النواب السُنة»، ونجحت في تأمين حضور 24 منهم، واحتل الاستحقاق الرئاسي، البند الاول في كلمة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، او في المناقشات ثم البيان الختامي، اذ اعقب اللقاء عشاء في دارة السفير السعودي وليد البخاري، الذي اراد ان يرسل رسالة، بان المملكة في قلب الاستحقاق الرئاسي عبر مرجعية دار الفتوى، كما في البيان الثلاثي على المستوى الدولي.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :