ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي قداسا في كاتدرائية الملاك ميخائيل في منطقة الزاهرية في طرابلس، عاونه المطرانان جورج بو جوده، ويوسف سويف، النائب العام على الابرشية الخوراسقف أنطوان مخايل، المونسنيور نبيه معوض، والخوري جوزاف فرح، بمشاركة المطران ميشال عون، راعي أبرشية طرابلس وتوابعها للروم الكاثوليك المطران ادوار ضاهر، وعدد من الكهنة.
وبعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة قال فيها: "حان عيد التجديد في أورشليم" (يو10: 22)، قال فيها: " عندما يتجدد الأشخاص تتجدد المؤسسات والمجتمعات. فالتجدد هو إصلاح العيوب التي شوهت وجه الإنسان والكنيسة والمجتمع والوطن مع مرور الزمن. فلا بد من العودة إلى الهوية الأساسية، إلى نقطة الإنطلاق، ومقابلتها مع الحاضر. وهذا أمر ضروري، لأننا كلنا بشر وعرضة للسقوط. التجدد يوجب عدم ترك الأمور كما كانت. في الكنيسة، هذا التجدد يجب أن يطال الأشخاص والمؤسسات التربوية مدارس وجامعات، والهيكليات الراعوية كالأبرشية والرعية، والحركات والمنظمات الرسولية. فيصبح الجميع أكثر إشعاعا وانفتاحا.
لكن التجدد لا يقتصر على الكنيسة فقط، بل يشمل الدولة أيضا، بمواطنيها ومسؤوليها وهيكلياتها ومؤسساتها، لكي يتأمن فيها الخير العام، والسلام الإجتماعي، وبناء شعب تسوده الوحدة والوفاق والتضامن. لا نعني بالسلام الإجتماعي غياب العنف، بل بناءه يوما بعد يوم على أساسٍ من العدالة الأكمل بين المواطنين، كما نعني الإنماء الشامل والمتوازن بين مختلف مناطق البلاد (راجع فرح الإنجيل 218-219).
ما يؤسف له حقا، عندنا في لبنان، أن الجماعة السياسية تحارب التجدد في أدائها وممارساتها، وتحارب الإصلاح المطالب به دوليا في الهيكليات والقطاعات. كنا ننتظر، مع الشعب الجائع والمنكوب والمتروك جريحا على قارعة الطريق، حكومة إختصاص على قياس التحديات المصيرية. فنسمع بتشكيل حكومة محاصصة، بدلا من حكومة تعتمد المداورة الشاملة في الحقائب الوزارية من دون استثناءات، وعلى أساس من الإختصاص والكفاية (راجع المادة 95/ب من الدستور). فمن غير المقبول على الإطلاق أن يسيطر على الحكومة فريق، ويقرر شكلها فريق، ويختار حقائبها فريق، ويعين أسماء وزرائها فريق، فيما الآخرون مهمشون كأنهم أعداد إضافية. كفوا أيها السياسيون النافذون عن انتهاك الدستور والميثاق ووثيقة الوفاق الوطني. ما بالكم ترفعون لواء المبادرة الفرنسية، وتعملون بعكسها؟ أسسوا لسلام جديد، لا لثورة جديدة! أسسوا لوطن الدولة الواحدة، لا لوطن الدويلات!
كنا ننتظر من الوزارات المعنية وبلدية بيروت أن تهب لمساعدة منكوبي إنفجار المرفأ وأهالي الضحايا وأصحاب المنازل المتهدمة، فإذا بها في غياب شامل وإهمال كأنهما مقصودان، فيكونا جريمة ثانية إلى جانب جريمة الإنفجار. إننا ننتظر تحقيقا عدليا يشمل الوزراء المعنيين المتعاقبين والمسؤولين الإداريين والموظفين، منذ إدخال كمية ال 2755 طنا من نترات الأمونيوم المحظورة مثل الأسلحة إلى المرفأ وإيداعها في العنبر رقم 12 مع كميات كبيرة من المواد السريعة الإحتراق، من دون أن يجهز هذا العنبر بأي آلية إطفاء، فيا لجرم الإهمال وعدم الإكتراث! إليك أيها الرئيس فادي صوان، المحقق العدلي تتجه جميع الأنظار، وبخاصة أنظار أهالي الضحايا والمنكوبين والمعوقين، وأنظار الكنيسة والمجتمع بعد أكثر من ثلاثة أشهر سادها صمت مطبق يثير القلق. إنها ساعة القضاء النزيه والشجاع:فإما يستعيد الثقة به، وإما يفقدها بالكلية. لا أحد فوق القضاء سوى الله. قال أحد قضاتنا اللبنانيين: يخسر القاضي نصف قوته، عندما يخاف من الأقوياء؛ ويخسر النصف الثاني عندما يظلم الضعفاء!.
إن أهالي ضحايا فوج إطفاء بيروت العشرة، ينتظرون إنصافهم وعزاءهم بإعلان أبنائهم شهداء الواجب، ومعاملتهم والتعويض عنهم مثل شهداء الجيش وعائلاتهم. وهي الآن ساعة إنصاف رجال الإطفاء المعرضين حياتهم دائما للخطر.
وفي المناسبة، لا بد من توجيه تحية شكر وتقدير لنقابة محامي بيروت ولفريق المحامين الذين يتولون مجانا متابعة ملفات المتضررين وقد بلغت 1333 ملف إدعاء. إنها صورة جميلة عن القضاء والمحاماة.
نحن والشعب نريد حقا عدالة تكشف الفساد والمفسدين، ولكن نريدها عدالة شاملة لا انتقائية؛ عادلة لا ظالمة؛ حقيقية لا كيدية؛ قانونية لا سياسية. لذا نطالب أن يشمل التحقيق في آن كل المؤسسات المعنية بأموال الدولة والمواطنين: من مصرف لبنان إلى وزارات المالية والطاقة والأشغال العامة والداخلية والإتصالات والبيئة وسواها، ومن مجلس الإنماء والإعمار إلى مجالس المناطق ومجالس إدارات المصالح المستقلة، وصولا إلى جمعيات مختلفة الهويات التي تلقت أموالا وبددتها.
وفي كل ذلك، يجب تجنب العبث بمصير المؤسسات الوطنية،أكانت عسكرية أم أمنية أم قضائية أم مالية، التي هي في أساس منعة لبنان. فإن محاكمة المسؤولين فيها لا تعني إدانتها كمؤسسة عامة بحد ذاتها.
إلى الله العادل والرحوم نرفع صلاتنا، بشفاعة أمنا مريم العذراء ومار ميخائيل رئيس الملائكة، كي ينتصر الحق على الباطل، والعدل على الظلم، والرحمة على تحجر القلوب. ونرفع نشيد المجد والتسبيح، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".
نسخ الرابط :