يقارب الفريق السنّي معارضته لحزب الله والرئاسيات من موقع القوى المتشرذمة، ويفتّش رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في فتحه الملف الرئاسي عن حليف ماروني. وكلاهما يعبّران عن ضبابية في مقاربة خصومتهما لحزب الله
يحفل شهر آب بمحطات مفصلية، قبل أن يرتبط بانفجار المرفأ ومئات الضحايا والمصابين وتدمير نصف العاصمة. في السابع من آب 2001، كانت مصالحة الجبل والأحداث التي رافقتها، وكرّست منذ ما قبل الانسحاب السوري بداية علاقات حوارية جدية بين القوى المسيحية المعارضة ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي كان قد لاقى نداء مجلس المطارنة وبدأ التمهيد لتحوّل سياسي جذري. لكنها، أيضاً، فتحت الطريق أمام تلاقٍ في منتصف الطريق للرئيس الراحل رفيق الحريري ضدّ ما سمّاه حينها «النظام الأمني» في عهد الرئيس إميل لحود. في عام 2005، مع اغتيال الحريري، صار «الحلف الثلاثي» واقعاً بين القوى المسيحية المعارضة وتيار المستقبل بزعامة الرئيس سعد الحريري وجنبلاط، فكانت قوى 14 آذار.
اليوم، في ذكرى مصالحة الجبل وانفجار الرابع من آب، كل المشهد السياسي ليس على ما يرام، بين هذه القوى نفسها التي بات جنبلاط والمستقبل فيها على توتر دائم بعد خلافات جوهرية بين مكوّنات المعارضة، حزبيين ومستقلّين. قبل نحو عشرين عاماً، كان الخصم المعلن سوريا. اليوم خصم القوى الثلاث هو حزب الله. وكما يختلف الخصم، تختلف طريقة مقاربة التعاطي معه.
الى أمد قريب، كان الرئيس سعد الحريري لا يزال يمدّ جسوراً معلنة وواضحة مع حزب الله، والحزب الذي كان يفضّل بقاءه في لبنان وفي العمل السياسي بادله بالمثل. كان الحريري يتذكّر حلفاءه الأقربين في مناسبات الاغتيالات، لكنه فعلياً صاغ في السنوات الأخيرة تفاهمات مع خصوم حلفائه. حتى حين طرح ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، اعتبروا طرحه أقرب الى تبنّي خيارات حلفاء سوريا، وليس حل الفراغ الرئاسي. ومنذ أن غادر الحريري العمل السياسي، تضعضع الفريق السني المعارض، ولم تسهم الانتخابات النيابية إلا في تأكيد شرذمته، الى الحدّ الذي أصبحت فيه الخلافات الداخلية وردود الفعل على حلفاء الأمس متقدمة على الصراع السياسي الجوهري. وعلى رغم بقاء نواة أساسية من المعارضة السنّية الى جانب الفكرة الأساسية التي نتجت عن عام 2005، يعبّر عنها الرئيس فؤاد السنيورة وعدد محدود جداً من النواب الحاليين والسابقين، إلا أن الحقيقة تقتضي أيضاً الاعتراف بأن هناك ضبابية في مقاربة كامل الفريق السني في معارضته حزب الله. لم يظهر تجانس الفريق السني معارضته في الشكل الذي كان متوقعاً، ولا سيما مع انتخاب نواب جدد، ومنهم تغييريون يوالون صراحة حزب الله، أو ظلوا على حياد في الأحداث المستجدّة وحاولوا الإضاءة على زوايا لا تمتّ بصلة للملفات المطروحة. ما حصل في موضوع المطران موسى الحاج وما سبقه وتلاه يؤكد ذلك. صحيح أن الحريري أرسل مستشاره غطاس خوري الى الديمان تضامناً، وحجّة الحريري في عدم تعليقه أنه متخلٍّ عن العمل السياسي، وأن السنيورة زار الراعي في موقف أكثر صراحة ووضوحاً، كما الحرس القديم، إلا أن هناك نتيجة أولية لما حصل في العلاقة بين مكوّنات ثلاثة، هي أن الفريق السنّي، في مرحلة تشتّت وأزمة سياسية حادة، يسير على طريق وعرة لن توصله الى أن يكون حاضراً في الانتخابات الرئاسية التي سيكون لحزب الله كلمة فيها. وسيكون من الصعب على السنّة الذين كانوا طرفاً أساسياً في الانتخابات الرئاسية منذ الاستقلال وحتى اليوم، أن يستعيدوا في مهلة زمنية مقتضبة دوراً في غياب مرجعياتهم وتقلّص تحالفاتها. وحتى الآن، لا يظهر التعويض واضحاً في استعادة كامل الحرارة مع المكونات المارونية، التي يفترض أن يكون لها دور في الانتخابات، كجزء من أدوات الصراع مع حزب الله.
جنبلاط يفتح باب الانتخابات لاستعادة مركزية دوره السياسي
في موازاة السنّة، أطلق جنبلاط معركة رئاسة الجمهورية في تفاصيلها ومواصفاتها وأدوارها. يمكن القول بحسب سياسيين إن جنبلاط يفتح باب الانتخابات لاستعادة مركزية دوره السياسي، بعد نتائج الانتخابات التي يدرك حقيقتها الداخلية المرّة، بغضّ النظر عن الأرقام والمقاعد، لأنه يدرك فعلاً معنى الخسائر التي سجّلها وحجم الأصوات التي حصل عليها وتأثيراتها، من وصل أو لم يصل الى المجلس النيابي. يشرّع جنبلاط الباب أمام دور مركزي وهو يفتش في الوقت نفسه عن حليف ماروني قد يجد ضالّته فيه عند الرئيس المقبل. وهذه الحاجة التي بدأت تحديداً بعد اغتيال الحريري، حيث فقط السند السني والحليف القوي، لم يستطع تعويضها في علاقته مع رئيس حزب القوات الدكتور سمير جعجع، بعدما ظهر أن الثقة بينهما مفقودة، ولعلّها بنيت على قواعد غير سليمة. لكن ذلك لا يمنع جنبلاط من حرصه الدائم على تحييد الجبل وفي استمرار ثابت لما عمل عليه في مصالحة الجبل مع البطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير.
في أدائه في الأحداث الأخيرة، بدت مواقف جنبلاط المسارع الى التنصّل من أموال وصلت الى لبنان عبر المطران الحاج، وتوجيهه الانتقادات يميناً وشمالاً، وفتحه قنوات اتصال مع حزب الله، أقرب الى خانة القلق أكثر منه إلى خانة النفي أو التموضع المستجدّ. وهذا القلق بات مع اقتراب الرئاسيات يأخذ حجماً أكبر، في البحث عن حليف استراتيجي، وفي إعادة طمأنة الجبل. فمع الأزمات الكبيرة تتغيّر حاجاته. ورئاسة الجمهورية تمهّد له الطريق لاستعادة توازن ما في المحطات الصعبة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :