بعد أيّام قليلة تحلّ الذكرى الأولى لمؤتمر باريس الدولي لدعم الجيش والقوى الأمنيّة اللبنانية، الذي تدعمه الأمم المتحدة، والذي انعقد في 17 حزيران 2021 عبر تقنية "زوم"، لكن لم يرَ النور بعد...
هو المؤتمر الثالث من نوعه خلال السنوات السبع الماضية (بعد مؤتمرَيْ روما 2014 و2018)، وقد أتى في ظلّ ظروف استثنائية وخطيرة حوّلت "كتلة العسكر" إلى "مشروع" انفجار اجتماعي بالنظر إلى تدنّي قيمة الرواتب التي يتقاضاها هؤلاء بالليرة اللبنانية، وذوبان التقديمات العسكرية، في مقابل كارثة تدهور الوضع المعيشي والانخفاض الصاروخي لقيمة الليرة اللبنانية.
خلال عام كامل وصلت إلى القوى الأمنيّة مساعدات غذائية وعينيّة وعسكرية والقليل من "فريش دولار" من دول وجِهات وشخصيّات "صديقة" على شكل تبرّعات، وإلّا لَما وجدنا عسكراً على الحواجز وفي المخافر، ولا بقي الأمن "مسيطراً على الوضع"، ولا حصلت الانتخابات النيابية.
نال الجيش الجزء الأكبر من المساعدات بالنظر إلى حالة التعبئة التي أعلنها قائد الجيش العماد جوزف عون لمواجهة "تحدّي" الاستمرارية، ونظراً إلى عديد الجيش الكبير الذي يناهز 85 ألف عسكري.
بانتظار الصندوق
لكنّ القوى العسكرية والأمنيّة لا تزال تنتظر "الصندوق" الدولي المفترض أن تُجمَع فيه تبرّعات الدول الغربية والعربية والخليجية التزاماً بتنفيذ مقرّرات مؤتمر باريس.
وفق المعطيات لم يكتمل إنشاء الصندوق بعد، وليس من دولار واحد في الصندوق لإرساله إلى لبنان. استندت الرواية الرسمية المتكرّرة على مدى عام إلى أنّ "تدفّق المساعدات المالية من صندوق الأمم المتحدة لا يزال مرهوناً بالإجراءات القانونية في الدول المعنيّة به، إذ لكلّ دولة تشريعاتها الخاصة في حالات الدفع "كاش"، فيما كانت المساعدات العينيّة والمساعدات الغذائية وقطع الغيار وكلّ المستلزمات اللوجستية تصل على مراحل متقطّعة من الخارج.
بتقدير كثيرين أنّ تفعيل الصندوق يحتاج إلى قرار سياسي أممي، لم يحِن أوانه بعد، مفتاحه "الذهبي" الولايات المتحدة الأميركية، ويليها بعض دول الخليج.
فضيحة فساد في الأمم المتّحدة
طرأ أخيراً عائق تقنيّ لدى منظمة الأمم المتحدة، إذ كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن "قضية فساد" داخل إحدى وكالات الأمم المتحدة UNOPS (مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع) دفعت رئيسة المكتب وزيرة الدفاع النروجية غريتا فاريمو إلى تقديم استقالتها.
وفيما يقدّر متابعون أنّ صندوق دعم لبنان يمرّ عبر هذا المكتب، فإنّ من المحتمل جدّاً أن يكون لهذه الفضيحة تأثيرها على باقي الملفّات التي يديرها المكتب المعنيّ.
في هذا السياق أعلن المتحدّث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق أنّ "الأمين العامّ يُجري تحقيقاً في جميع التقارير عن ارتكاب مخالفات، وسيتمّ اتّخاذ إجراءات بشأنها".
فريش دولار لمرّة واحدة!
لمرّة واحدة فقط تمكّن الجيش في بداية العام الحالي من رفد عسكريّيه بمئة دولار "فريش" من صندوق تبرّعات خاص عائد له في مصرف لبنان، وحتّى الآن ينتظر الضوء الأخضر مجدّداً من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة "للإفراج" عن مئة دولار أخرى.
قبل أن يأتي الضوء الأخضر من رياض سلامة، تعهّدت دولة قطر بدفع مبلغ 60 مليون دولار لدعم الجيش اللبناني، مع العلم أنّ قطر تدعم الجيش بـ 70 طنّاً من الموادّ الغذائية شهرياً. لاحقاً كشف قائد الجيش أنّ الهبة ستُخصّص لدعم رواتب العسكريين فور تسلّمها.
لكن على الضفة المقابلة كان هناك من يُخصّص وقته لـ"الحرتقة" على الجيش من خلال التساؤل هل ستمرّ الهبة عبر مجلس الوزراء في ظلّ حكومة تصريف الأعمال... وصولاً إلى "الحركشة" بالآليّة المتّبعة في الحمّام العسكري لاستقبال المدنيين، وتسريب أخبار عن الرواتب في محاولة لتحريض العسكر على قيادته.
يقضي المسار الدستوري بصدور مرسوم قبول هبة عن مجلس الوزراء، لكنّ الأجهزة الأمنيّة في الآونة الأخيرة كانت تتجاوز أحياناً هذا المعطى بالنظر إلى حالة الطوارئ الاستثنائية التي تقتضي اتّخاذ إجراءات سريعة لتلبية حاجات العسكر الملحّة، خصوصاً في مجال الطبابة. ولذلك كانت التبرّعات تصل مباشرة إلى "صناديق خاصة" يتمّ عبرها توفير مستلزمات كثيرة للعسكر أو دفع "فريش" للطبابة "والصرف على الورقة والقلم". هو واقع يعترف به كلّ قادة الأجهزة الأمنيّة لأنّ انتظار صرف الاعتمادات من خزينة الدولة هو بمنزلة "انتحار بطيء" وشلّ للمؤسّسات الأمنية والعسكرية.
يبقى أنّ صيغة الموافقات الاستثنائية في ظلّ حكومة تصريف الأعمال تشكّل "خطّاً عسكرياً" متاحاً لإيجاد تخريجة لهذه الهبات. إلا إذا كان المطلوب استكمال بعض الجهات السياسية حربها الخفيّة على قيادة الجيش ربطاً بحساباتها الشخصية.
الجدير ذكره أنّه في ظلّ غياب الدولة التامّ حضرت "العلاقات الخاصة" والعلاقات العامة (PR) لبعض قادة الأجهزة الأمنيّة وكبار الضباط لطلب المساعدات من مموّلين وداعمين للعسكر.
قوى الأمن من دون طبابة
في باقي الأجهزة الأمنيّة، في الأمن العام وقوى الأمن الداخلي وأمن الدولة، اعتُمدت أيضاً إجراءات استثنائية لتوفير الحدّ الأدنى من مقوّمات الاستمرارية في وقت تحوّلت الاعتمادات المرصودة في الموازنة للقوى الأمنيّة إلى رقم هزيل لا يتناسب مع حجم الكارثة.
لكنّ المشكلة الكبرى برزت لدى قوى الأمن الداخلي وامتدّت لأشهر، حين وجد عناصرها أنفسهم فجأة من دون طبابة ولا بونات بنزين.
يقول مصدر رفيع في قوى الأمن لـ"أساس": "صدر مرسوم بمنح 20 مليار ليرة إضافية للقوى الأمنية. صدر المرسوم بس ما وصلت المصاري. لذلك كان القرار بإنشاء صندوق خاص، كما لدى الجيش، نستقبل فيه التبرّعات لتوفير مستلزمات الحالات الضرروية في مجال الطبابة، ونحن ندفع يوميّاً ما بين عشرة آلاف و25 ألف دولار لسدّ فواتير المستشفيات. وتتولّى الشعبة الإدارية في قوى الأمن تنظيم الدفع وفق فواتير رسمية. هذا الوضع مؤقّت. وما منعرف أديه فينا نهدّي".
يعترف المصدر: "قبل الانتخابات النيابية فوجئنا بقرار إلغاء بونات البنزين لقوى الأمن، وكان من شأن هذا الأمر أن يؤدّي إلى إلغاء العملية الانتخابية برمّتها. راجعنا وزارة الطاقة مراراً فأبلغونا بأنّه استحقّت علينا فواتير قديمة غير مسدّدة. لكن لاحقاً تبيّن وجود خطأ لدى وزارة الطاقة".
لم يكن صعباً الاستنتاج، وفق المصدر، أنّ الأمر كان نوعاً من الضغط علينا. "قادنا هذا الواقع إلى استدانة 100 ألف ليتر من البنزين من الاحتياطي الموجود لدى الجيش كي نقوم بمهامّنا خلال الانتخابات. ولاحقاً تمّت إعادة العمل بقسائم البنزين، لكنّنا رصدنا سرقات في قيمة البونات من جانب بعض المحطات المدنية المتعاقدة مع قوى الأمن، فأوقفنا مؤقّتاً العمل بها، وحصرنا تعبئة البنزين بالقسائم في المحطات العسكرية فقط، وعددها 12".
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :