/ علاء حسن /
ما أن انتهى بيان “حزب الله” حول عملية المسيّرات فوق حقل “كاريش”، حتى انهالت التعليقات والتحليلات، والتي كانت بدأت قبل صدوره عندما سرب الكيان الصهيوني خبر استهداف المسيرات الثلاث. ومن دون أن يدري العدو الإسرائيلي، فإنه قدّم دليلاً يثبت دقة حسابات المقاومة ـ السياسية والعسكرية معاً، وهو ما رفع حرارة المواجهة ومعها دقات القلوب الضعيفة.
ولكن لفهم ما حصل، من الضرورة بمكان الرجوع إلى مسألتين هامتين:
الأولى، مواقف الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الذي كان حاسماً في ما يخص تحصيل حق لبنان من الغاز والنفط، وعدم السماح للكيان الصهيوني وأميركا بالاستفراد بهذه الثروة بضربة ثلاثية الأبعاد يستفيد منها الأوروبيون والاسرائيليون ويضربون بها مصالح روسيا. ولذا أتى الرد بثلاث مسيرات وبأحجام مختلفة.
المسألة الثانية، هي تسريبات الاسرائيليين الأخيرة بخصوص القوة البحرية التابعة للمقاومة، والمعلومات المغلوطة الكثيرة التي نشرتها الصحافة العبرية عنها، بهدف التشويش على عملها في حماية البحر وما يحتوي من ثروة ترفع لبنان من قاع الانهيار الواقع فيه.
وفي هذا السياق، تشير المعلومات أن عملية المسيّرات، وإن لم تكن الأولى من نوعها، إلا أنها كانت الأكثر وضوحاً في كيفية تنفيذها، فهي استخدمت أكثر من نوع من المسيرات، في إشارة إلى قدرات المقاومة وما يمكن أن تفعله كل من هذه الطائرات المسيرة فيما لو كانت مسلحة. وثانياً لأنها حلقت على ارتفاع منخفض، بحيث تظهر بشكل جلي للطرف الاسرائيلي دون مواربة. وثالثاً، لكون العملية حملت اسم الشهيد جميل سكاف الذي استشهد أثناء تجهيزه لعملية استشهادية بطائرة شراعية في العام 1994، بالإضافة إلى اسم الشهيد مهدي ياغي، للقول إن الطائرات الانتحارية قد تكون هي المستخدمة في العملية اللاحقة ما لم يتراجع العدو عما يقدم عليه.
أما في التوقيت، فقد جاءت العملية بعدما حملت السفيرة الأميركية رد الطرف الاسرائيلي على مقترحات لبنان بخصوص عملية التفاوض، ولما وجدت المقاومة أن الأميركيين لم يأخذوا تهديدات السيد نصر الله على محمل الجدية بما يكفي. لذلك، كان لابد من ممارسة ضغط على المستوى السياسي على خلفية المفاوضات، والبدء بتغيير قواعد اللعبة، بصرف النظر عن الظروف الاقتصادية والضغط الدولي الذي تضعه الولايات المتحدة في الحسبان، معتقدة أن المقاومة لن تقوم بعمل تصعيدي في ظل الحصار الخانق الذي تفرضه أميركا على لبنان.
وفي خصوص تسريبات الصهاينة عن بحرية المقاومة، تشير المعطيات المتوفرة إلى أن المقاومة كثّفت عملياتها الاستطلاعية في الآونة الأخيرة، بحراً وبراً وجواً، في رسالة واضحة إلى من يعنيهم الأمر، أن المقاومة على أتم الاستعداد لأي تصعيد، وأنها تمتلك معطيات ميدانية محدثة تمكّنها من اتخاذ القرار في الوقت المناسب.
وبالعودة إلى عملية المسيرات، فإن السيد حسن نصر الله تحدث في فترة سابقة عن إمكانية إرسال طائرات مسيرة فوق مناطق الاستخراج لتحذير الشركات من الاستمرار في العمل، في خطوة أولى يمكن من خلالها حث الشركات، ومَن وراءهم، إلى التوقف عن العمل، وهو ما حصل من خلال إطلاق طائرات “غير مسلحة”، بحسب بيان المقاومة. بالتالي، فإن الإمعان بالاستمرار، والتشبث بالمواقف سيعني الانتقال إلى الخطوة التالية التي ستكون أكثر شدّة وحدة بالتأكيد.
وفي هذا السياق، اعتبر الرئيس السابق لاستخبارات جيش العدو تامير هايمن أن “حزب الله” وضع الكيان الإسرائيلي أمام أربعة خيارات:
التوقف عند حد ضرب الطائرات، لكونها لم تُحدث ضرراً، وهذا الخيار سيؤدي إلى المزيد من المحاولات.
الرد على عملية المسيّرات بضرب موقع في لبنان الأمر، الذي قد ينتج تصعيداً خلال حكومة انتقالية في الكيان الإسرائيلي.
الرد على عملية المسيّرات في سوريا عبر استهداف مقرات لـ”حزب الله” هناك، من أجل “فرض ثمن لأي عمل”، وفي نفس الوقت إظهار عدم رغبة الكيان بمهاجمة لبنان.
الرد من نوع “حرب على الوعي”، مثل الرد السايبري، أو خرق جدار الصوت، أو رسائل استراتيجية، من دون أن تؤدي إلى خطر التصعيد…
في المحصلة، يمضي “حزب الله” بقراره أنه وبغض النظر عن ما يتم الاتفاق عليه من مناطق متنازع عليها بين لبنان والكيان الصهيوني، وبصرف النظر عما يريده الأميركي والأوروبي، فإنه لن يقف مكتوف الأيدي أمام محاولات إعادة رسم خريطة الطاقة العالمية، وخصوصاً الغاز منها، من دون أن يكون للبنان حصته، خصوصاً في ظل أزمة لبنان الاقتصادية وتغيير موازين القوى الدولية.
وعليه، من المتوقع أن تشتد سخونة هذا الصيف، من دون حصول تصعيد واسع النطاق، وعندها سيكون الأميركي أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التضحية باسرائيل والغاز لأوروبا وفكرة الالتفاف على الغاز الروسي، وإما دفع الثمن للبنان مقابل ما يمكن أن يحصل عليه.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :