عدم تجاوب اللبنانيين مع الدعوات للنزول إلى أقلام الإقتراع والتصويت بكثافة، شكّل ظاهرة عفوية تستحق الوقوف عندها ملياً، نظراً لما تنطوي عليه من مغازٍ وأبعاد ترسم صورة العلاقة المتردية بين الأحزاب والأطراف السياسية وجماهيرها في مختلف المناطق، ولدى كل الطوائف.
تراجع أعداد ونسب المقترعين في معظم الدوائر الإنتخابية رسم صورة واضحة لحالة الاحباط السائدة لدى اللبنانيين، والتي وصلت إلى حد اليأس من المنظومة السياسية الفاسدة، وعدم الثقة بقدرة السلطة الراهنة على إخراج البلد من دوامة الإنهيارات التي يتخبط فيها منذ أكثر من سنتين ونصف، والعجز المتفاقم عن وضع حد للأزمات المتدحرجة التي أطاحت بالقطاعات الإقتصادية والمالية والإجتماعية، وشملت تداعياتها كل مناحي الحياة اليومية للناس.
كان من المتوقع أن ينعكس إقبال المغتربين وحماسهم للمشاركة في العملية الإنتخابية إيجاباً على مزاج عائلاتهم وأوساطهم الإجتماعية في الوطن الأم، ولكن النتائج الأولية جاءت مخيبة للآمال، لعدة أسباب لعل أبرزها على سبيل المثال لا الحصر المتمثلة في النقاط التالية:
١- الضغوط المعيشية المتزايدة التي تُحاصر اللبناني المقيم بشكل مستمر ومطرد، وفشل الحكومة في إيجاد الوسائل أو المخارج القادرة على صياغة الحلول المؤقتة على الأقل، مثل إستفحال أزمة الكهرباء يوماً بعد يوم، بعد فشل خطة إستجرار الطاقة من الأردن، ورفض البنك الدولي تمويل إستيراد الغاز من مصر، بسبب عدم تحقيق الإصلاحات المطلوبة في قطاع الكهرباء، إضافة إلى الزيادات المتفاقمة في أسعار المازوت.
٢- إفتقاد اللبنانيين لأبسط مقومات الحياة الكريمة، من دواء ومتطلبات الإستشفاء، إلى ضياع جنى العمر في المصارف، إلى تفشي سرطان البطالة في العديد من القطاعات الإنتاجية والخدماتية، إلى فوضى الأسعار الملتهبة التي ضربت السلع الغذائية، وفاقمت واقع الفقر الذي بات يشمل ٨٠ بالمئة من اللبنانيين.
٣- تيقن الأكثرية الساحقة من اللبنانيين بأن هذه الإنتخابات لن تحقق الطموحات المنشودة في التغيير الجذري للبنية السياسية، بسبب سيطرة أحزاب السلطة، وخاصة حزب الله، على مفاصل القرار في الدولة، مقابل تشظي القوى السيادية، وتنافس أحزاب المعارضة ضد بعضها بعضاً، وعدم تمكن شباب التغيير في المجتمع المدني من توحيد الصفوف، أو على الأقل التنسيق بين القيادات لتفادي المواجهات الشرسة بين لوائحهم في أكثر من دائرة إنتخابية.
٤- حصر الخطابات الإنتخابية في معظم الدوائر بالقضايا السياسية، في مقدمتها سلاح حزب الله ومواضيع السيادة وبناء الدولة، وإغفال معالجات المشاكل المعقدة التي تُقلق حياة اللبنانيين، وخاصة فيما يتعلق بإطلاق مسار الإصلاحات التي تُطالب بها الدول المانحة والمؤسسات المالية، تمهيداً لمد يد المساعدة والدعم، والسير قدماً في خطة الإنقاذ.
النتائج النهائية لإنتخابات أمس ستطرح عدة تحديات أمام الأكثرية النيابية العائدة بألوانها الأساسية، والتي تضم ثنائي حزب الله وحركة أمل وحلفائهما، وفي مقدمة تلك التحديات حسم مسألة العودة إلى أصول النظام الديموقراطي التي تقضي بأن الأكثرية النيابية تحكم، والأقلية البرلمانية تُعارض وتُراقب وتُحاسب. وهذا يعني التخلي عن بدعة الحكومات التوافقية التي فشلت في إيجاد الحلول المناسبة للأزمات المتراكمة، وعطلت فعالية السلطة في إدارة شؤون البلاد والعباد، وأغرقت البلد في تسونامي من الشلل المتمادي الذي ساهم في تناسل المشاكل الإقتصادية والمالية والإنمائية.
ad
وثمة قلق واسع في أوساط اللبنانيين،المقيمين والمنتشرين، من محاذير السياسات الخارجية التي ستتبعها الأكثرية القديمة - الجديدة، لا سيما ما يتعلق بالعلاقات مع الأشقاء العرب، حيث ما زال البلد يُعاني من تداعيات التأزم الأخير مع دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة مع المملكة العربية السعودية، والإنعكاسات السلبية على المساعدات العربية المنتظرة للبنان لدعم جهود الخروج من مهاوي الإنهيارات الراهنة.
والحديث عن السياسة الخارجية للحكومة العتيدة يطرح من جديد مسألة تحييد لبنان في الصراعات الإقليمية، وعدم تحميل وطن الأرز ما لا قدرة له على تحمله من تبعات ضم البلد إلى المحور الإيراني بمواجهة المحور العربي، وزج الدولة المتهالكة في صراعات خارجية مريرة، والضرب بعرض الحائط بمقتضيات إعلان بعبدا الذي نص على تحييد لبنان وتطبيق سياسة النأي بالنفس عن عواصف المنطقة.
القراءة الأولية لنتائج الإنتخابات والمسارات السياسية التي رافقتها، تُشير إلى أنه ليس في الأفق ما يُبشر بأن انتخابات الأمس فتحت كوّة في جدار الأزمة السميك، وأن الإرهاصات الحالية مستمرة على أكثر من صعيد، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً!
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :