على الرغم من سيل الاستطلاعات والدراسات والقراءات الانتخابية الذي تدفق خلال الفترة التحضيرية لانتخابات 15 أيار، وأغرق البلد بتقديرات لحجم المقترعين، مع ترجيح انخفاض عددهم، وكذلك لحجم هذا الطرف أو ذاك في المجلس النيابي الجديد، الّا أنّ الصورة العامة السائدة عشية الاستحقاق، يمكن إيجازها بما يلي:
- اولاً، ثمة إرباك واضح يسود حركة الاستطلاعات، حيث انّها لا تلتقي على تقدير واحد، خصوصاً في ما يتعلق بنسبة المشاركة في انتخابات الاحد، حيث انّها ما زالت تتأرجع بين فرضية تقول بنسبة إحجام عالية لدى الناخبين، وبين فرضية مضادة تقول بأنّ نسبة الإحجام هذه نسبتها ضئيلة جداً.
وضمن هذه الفرضية أُدرجت انتخابات المغتربين، حيث قرأ فيها بعض المستطلعين حماسة أفرزت نسبة مشاركة مرتفعة تفوق نسبة مشاركة المغتربين في انتخابات العام 2018، فيما قرأها البعض الآخر بأنّها مخيّبة للآمال ودون المستوى المتوقع مع هذا الاستحقاق. وهذا يعطي مؤشراً إلى حجم مشاركة داخلية ضعيفة في انتخابات الاحد على مستوى كل لبنان.
الاّ انّ استطلاعات حديثة أجرتها بعض مراكز الدراسات، وكذلك ماكينات بعض الاحزاب، تلتقي على عامل أساس فرض تعديلاً في التقديرات السابقة التي رجحت نسبة عالية من المحجمين عن المشاركة في الانتخابات، وهو الخطاب الحزبي المتبادل الذي أدّى بالحدّة التي أُطلق فيها، إلى شحن الأجواء الداخلية بكل أسباب التوتر السياسي وأيقظ العصبيات الطائفية والمذهبية، وكانت نتيجته من جهة، انّه استفز الحزبيّين، وأخرج المترددين في البيئة الحاضنة لهذا الحزب أو ذاك من تردّدهم، وأعادهم الى الطائفة والتصويت تحت عنوان "مصيرها ووجودها"، على الرغم من ضائقتهم الاجتماعية ومعاناتهم من الأزمة ومسببيها. ومن جهة ثانية عزّز اندفاعة المستقلّين الرافضين لهذا الخطاب، وزاد من الالتفاف الشعبي حول طروحاتهم واعتدالهم. وهذا ما يبدو محسوساً بكل وضوح وعلنية في مختلف الدوائر. ومعنى ذلك أنّ انتخابات الاحد يُتوقع لها في هذا الجو أن تكون من بين الأعلى من حيث نسبة المشاركة الحزبية والشعبية فيها.
- ثانياً، من الخطأ التحديد المسبق لموقع الأكثرية في المجلس النيابي الجديد. فخلافاً للترويجات الحزبية عن انتصارات مسبقة في الاستحقاق الانتخابي، فإنّ ما تلتقي عليه الاستطلاعات هو أنّ أياً من الاطراف الحزبية المتنافسة لا يستطيع أن يدّعي امتلاكه وحده الأكثرية المقرِّرة في المجلس الجديد. حيث أنّ التحالفات التي حكمت إعداد اللوائح الانتخابية لا تعدو أكثر من تحالفات انتخابية تنتهي صلاحيتها مع إقفال صناديق الاقتراع. وبالتالي، فإنّ موقع الاكثرية وكذلك الاقلية تحدّدهما تحالفات ما بعد الانتخابات، وفقاً للظروف السياسية وحركة مصالح الاطراف التي ستحكم تلك الفترة.
- ثالثاً، كل الاطراف الحزبيّة، ورغم مبالغاتها الإعلامية والعلنية، الاّ انّها في العمق لا تبدو مطمئنة للاستطلاعات والتقديرات المسبقة، ذلك أنّ الباب لا يزال مشرّعاً على "مفاجآت" تمنع كل هذه الاطراف من أن تنام ملء جفونها قبل أحد الانتخابات. ومن هنا، تعكس الأجواء الحزبية جوّاً ملبدًا بالحذر الشديد، ووضعاً مربكاً تتزايد فيه دقات القلوب الحزبية بوتيرة سريعة قبل فتح صناديق الاقتراع، حيث أنّ انتخابات الأحد ستشكّل محطة محاكمة الناس للعناوين والشعارات الكبرى التي طرحتها "أحزاب الحواصل"، وخصوصاً تلك التي ركبت موجة "ثورة الغاضبين" وتسلّقت على جوع اللبنانيين ووجعهم.
نسخ الرابط :