.. ودخل لبنان في اسبوع الحسم الانتخابي، الذي ستتبلور في نهايته الصورة النيابية الجديدة، التي ستشكّل بدورها قاعدة الارتكاز للسلطة التي ستدير شؤون الدولة للسنوات الاربع المقبلة.
ومع نهاية الرحلة الانتخابية يوم الاحد المقبل في الخامس عشر من ايار الجاري، سيُفتح البلد تلقائياً، اعتباراً يوم الاثنين في السادس عشر من ايار، على رحلة، ربما تكون اصعب من مرحلة التحضير للاستحقاق النيابي، في ظلّ المشهد النيابي والسياسي الجديد الذي ستفرزه انتخابات 15 ايار.
على ما هو واضح، لا بل ما هو مؤكّد، فإنّ القطار الانتخابي يسير على سكّة إتمام هذا الاستحقاق في موعده، وبعدما أُنجزت المرحلتان الاغترابيتان، يمكن القول إنّ المغتربين قد ارتاحوا من ضغط الاستحقاق الانتخابي، فيما المسؤولية باتت ملقاة على المقيمين، الذين تؤشر وقائع التحضيرات وهدير الماكينات الانتخابية إلى انّهم مُستنفَرون في كل الدوائر المحلية الـ15، في ظل الشحن المكثف الذي يُمارس، خصوصاً من قِبل القوى الحزبيّة.
صورة الميدان الانتخابي تشي بأنّ كل الاطراف المتنافسة، وعلى وجه الخصوص ما تسمّى بـ»احزاب الحواصل»، قد انزلت الى ارض معركة «التصفية النهائية» بعد 5 ايام، كلّ ما تمتلكه من عدّة وعتاد وعديد ووسائل واساليب «لتقريشها» في صناديق الاقتراع، بالظفر بأكبر قدر من الحواصل، وبالتالي المقاعد في مجلس النواب. وليس خافياً صرير الأسنان السياسية والانتخابية، الذي يعكس حجم القلق الذي يعتري القوى الحزبية، والذي يُعبَّر عنه بمخاطبة المزاج الشعبي، بالخطابات المشتعلة في مختلف الدوائر والتوعّد بتصفية الحسابات وكسر الأكثريات وخلع حصون التمثيل في هذه الدائرة او تلك.
الحملات .. شبه منتهية
هذا الصرير، مع ما يرافقه من حملات محمومة ومحاولات حثيثة للتأثير على أمزجة الناخبين لجذبهم الى صناديق الاقتراع، لم يعد له متّسع زمني، حيث انّ صلاحيته باتت تُعدّ بالساعات، وخصوصاً انّه يصطدم بفترتي صمت إلزاميتين؛ تسبق الاولى اقتراع الموظّفين الذين سيديرون العملية الانتخابية المحدّد يوم الخميس 12 الجاري، حيث يسري الصمت اعتباراً من منتصف ليل اليوم الثلاثاء ولغاية إقفال صناديق اقتراع هؤلاء الموظفين. وتسبق الثانية الانتخابات العامة في لبنان، والمقرّرة الاحد في 15 الجاري، على ان يبدأ سريانها اعتباراً من منتصف ليل الجمعة 13 الجاري ولغاية إقفال صناديق الاقتراع يوم الانتخاب.
من هنا يمكن افتراض انّ الحملات والدعايات والشعارات الانتخابية قد أدّت غرضها واصبحت شبه منتهيّة، وبالتالي لم يبقَ امام الاطراف المتنافسة سوى مراقبة سلوك الناخبين ومدى استجابتهم وتأثّرهم بالحملات والدعايات، وترقّب ما ستبوح به صناديق الإقتراع من أسرار، تحدّد أحجام كلّ طرف في المجلس النيابي الجديد.
ماذا بعد؟
ولكن، بصرف النظر عمّا ستسفر عنه «التصفية الانتخابيّة النهائية» الأحد المقبل، وعن موقع الأكثرية او الأقلية سواء أكان في الموقع المتوقع سلفاً لفريق 8 آذار وحلفائه، او في موقع خصوم هذا الفريق، فإنّ سؤالاً يفرض نفسه في موازاة ذلك: ايُّ صورة سياسيّة ستحكم الواقع اللبناني بعد اعلان نتائج الانتخابات.. وهل سينعطف المشهد نحو الهدوء السياسي ام انّه سيدخل في دوامة الاشتباك حول مختلف عناوين الانقسام السياسي والحزبي؟
في هذا المجال، يبدي مرجع سياسي ارتياحه البالغ «لانتهاء انتخابات المغتربين، من دون أي عوائق او معطلات او إشكالات كالتي جرى الترويج لها قبلها»، كما عبّر عن مفاجأته بالنسبة العالية لمشاركة المغتربين في هذا الاستحقاق، مشيراً الى انّه كان حتى ما قبل انطلاق انتخابات المغتربين، يخشى من خيبة امل نتيجة ما تمّ ترويجه من قراءات وشائعات بأن تكون هذه الانتخابات دون المستوى المطلوب في هذا الاستحقاق. الّا انّ الوقائع كذّبت هؤلاء بالنسبة العالية من المقترعين». على انّ اللافت للانتباه في كلام المرجع قوله: «انّ انتخابات المغتربين يجب ان تُقرأ جيداً وبتمعنٍ اكبر، وخصوصاً من قِبل كلّ القلقين من هذه الانتخابات او المراهنين عليها بأنّها ستكسر المعادلة النيابية وتحدث تغييرات نوعيّة في الخريطة المجلسية».
واكّد المرجع لـ»الجمهورية»: «أنّ مصلحة البلد تتوفّر في إتمام الاستحقاق الانتخابي، وقد بتنا في المراحل النهائية لهذا الإنجاز الذي يفترض انّه يحقن البلد بشكل عام بحيوية نيابية وسياسية وحكومية جديدة. ومصلحة لبنان تتوفر اكثر عندما تخلع الاطراف المتنافسة جميعها ثوب الانتخابات اعتباراً من اليوم التالي لاستحقاق الاحد، وتطوي صفحة تحضيراتها واستعداداتها الصاخبة وشعاراتها الشعبوية، ومصارعاتها السياسية وغير السياسية التي لم يبق فيها سترٌ الّا وانكشف، وتسلّم بنتائج هذه الانتخابات، وتتعايش مع الأكثرية والأقلية النيابيتين اللتين ستحدّدهما صناديق الاقتراع، وأينما كان موقعهما، وتلتقي على فتح صفحة جديدة عنوانها كيفية ترتيب البيت الداخلي ورفعه على أسس صلبة تمكّنه من الصمود في وجه الأزمة الخانقة التي تهدّد تداعيه على رؤوس ساكنيه، دون تمييز بين رابح في الانتخابات او خاسر فيها».
العقلانية: وصفة سحرية
تحذير المرجع المسؤول من تداعي البيت الداخلي، يتقاطع مع قراءة روحيّة، تأمل في أن يأتي المجلس النيابي الجديد معبّراً عن تطلّعات اللبنانيين، وعن حسن اختيارهم لممثليهم في مجلس النواب».
ويُنقل في هذا السياق عن مرجع روحي قوله: «مشهد المغتربين كان مفرحاً للقلب، ونحن مرتاحون لما بدا انّه تنظيم اتاح للمغتربين أن يمارسوا حقهم في الاقتراع بكل حرّية. ومن هنا، فإنّ دعوتنا متجدّدة للبنانيين في ان يعتبروا يوم الانتخاب في 15 ايار محطة مفصلية ينحازون فيها للبنان وشعبه الموجوع، ويقفون فيها امام مسؤولية حسن الاختيار».
ويضيف المرجع الروحي، بحسب ما يُنقل عنه: «هذا هو المطلوب وليس اكثر من ذلك يوم الانتخاب. وأن نرى لبنان وقد سادته العقلانية التي تشكّل اولى الوصفات العلاجيّة الواجب تجرّعها في مرحلة ما بعد الانتخابات، وخصوصاً من قِبل السياسيين، فمن شأنها أن تشكّل المفتاح السحري لأبواب العلاجات لأزمة لبنان وإنقاذ اللبنانيين، وتسهّل على الجميع الشراكة في حل كلّ التعقيدات مهما كان حجمها».
ويستدرك المرجع فيقول: «الاّ انّ الشرط الأساس لتسود هذه العقلانية هو صفاء النيات، وان يعود الجميع الى هذا الوطن من غربتهم عنه وعن آلام شعبه، وهذا كلام برسم الجميع من دون استثناء، ولكن هل هذا ممكن؟ نحن نصلي لذلك».
عصفورية!
وسألت «الجمهورية» مسؤولاً وسطيّاً معارضاً، عمّا إذا كان يمكن للعقلانية ان تجد لها مكاناً ما بعد الانتخابات، تخفف من خلاله الحدّة القائمة في حلبة الانقسام الداخلي، فسارع الى القول: «لا اعتقد ذلك، لسبب بسيط، وهو أننا نعيش في عالم مجنون، ووسط مجانين وفاشلين، قدّموا مع الأسف نموذجاً هو الأسوأ في التعاطي مع هذا البلد، وقد مرّ لبنان في تجارب قاسية وقاتلة ودفعنا فيها أثماناً باهظة، والشعب اللبناني انتهى، ورغم ذلك لم يتعلّموا من التجارب، ولم يخرج البعض من ذهنية السيطرة والإلغاء والقبض على البلد ومقدراته. فعن أيّة عقلانيّة تتحدث في هذه العصفوريّة؟».
وعمّا إذا كان يؤيّد ما يتردّد في بعض الصّالونات السياسيّة عن توجّه لتشكيل حكومة وحدة وطنيّة بعد الانتخابات، اكتفى بالقول: «قبل الحكي عن الحكومة، خلينا نخلّص الانتخابات .. دخيلك بلا هالعصفوريّة كلّها».
تفاهمات أم توترات؟
بدورها، اكّدت مصادر حكومية لـ»الجمهورية»، انّ مرحلة ما بعد الانتخابات هي الاستحقاقات الكبرى بالنسبة الى لبنان، وخصوصاً ما يتعلق بالتصدّي وتجاوز التحدّيات الأساسية والعاجلة، وأهمها ما خصّ الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وإكمال خريطة طريق الخروج من الأزمة ارتكازاً على خطة التعافي. وهذا يضع كل الاطراف امام مسؤولية الانتقال من مرحلة الصدام التي عانينا منها في فترة ما قبل الانتخابات، الى مرحلة الوئام والشراكة في تحمّل المسؤوليّة ووضع الأزمة على سكة الخروج منها. واعتقد انّ جميع الاطراف باتت تستشعر بالخطر، والواقع الذي نعيشه، بات يؤكّد أن لا سبيل امام هؤلاء الاطراف سوى ان يتحمّلوا المسؤولية».
العدوانية هي السائدة
الاّ أنّ مصادر معارضة للطبقة الحاكمة بكل تلاوينها، ترسم صورة قاتمة لمستقبل الوضع في لبنان، محمّلة بالدرجة الاولى مسؤولية إبقاء الوضع اللبناني في دائرة التخلّف، الى القانون الانتخابي الحالي الذي يمنع التقدّم ولو قيد أنملة نحو التطور والتغيير المنشود. وقالت لـ»الجمهورية»: «أي انعطافة تنقل لبنان من حلبة التوترات الى مدار التفاهمات، هي حلم صعب المنال، في واقع سياسي مَرَضيّ، ينخره انقسام وافتراق في الرؤى والأهداف بين مكونات سياسية وحزبية عدوانية تجاه بعضها البعض، وتعدّد الأجندات والارتباطات العابرة للحدود. ما يعني والحال هذه، انّ الفرضية الأقرب الى الواقع، أنّه مع مكونات أسرى لأجنداتها ولعناوينها وتوجّهاتها الصدامية، لا مكان للعقلانيّة والنيات الصافية، سواء في نظرتها الرافضة لبعضها البعض، او في تعاطيها مع بعضها البعض، او في مقاربتها للوضع اللبناني واسباب انهياره، بل في ظل هذا الانقسام، ستبقى العدوانية المتبادلة والنيات المبيّتة هي الحاكمة في ما بينها، ولهذه العدوانية ثمن وحيد هو خراب البلد أكثر».
تغيير في السياسات!
وسط هذه الاجواء، تبرز قراءة وُصفت بالمحايدة، قدّمها قطب نيابي حيث قال: «التغيير النوعي الذي يجب ان يحصل ليس في ارتفاع عدد المقاعد النيابية لهذا الطرف او ذاك، بل في تغيير السياسات. وحصول هذا النوع من التغيير من سابع المستحيلات، وهذا امر ليس مستجداً على لبنان، بل يلازمه منذ نشوئه مع أطراف سياسية بسياسات مختلفة تتلاقى حيناً وتتصادم احياناً اخرى. وبناءً على هذا الواقع، اياً كانت نتائج الانتخابات، وأينما كان موقع الاكثرية والاقلية، فلبنان محكوم بالتوافق الإكراهي بين مكوناته السياسية، وهذا ما خبرناه منذ سنوات طويلة. ولنكن واقعيين، قانون الانتخابات مفصّل على قياس معدّيه، ولن يؤدي الى أي تغيير كالذي يطمح اليه اللبنانيون، بل الى نتائج توجب على الجميع التعايش معها، إن بالتوافق المعلن وغير المعلن على الشراكة في إشاعة اجواء هدوء واستقرار، او بالافتراق كما هو حاصل حالياً. وكل ذلك رهن بالظروف التي توجب التقارب والشراكة في تولّي السلطة، او التباعد وتموضع كل طرف خلف متراسه. واعتقد في هذا المجال، انّ تجربة الانقسام والاشتباكات التي استمرت منذ اكثر من سنتين قد صدمت الجميع بحائط مسدود. وستضعهم بعد الانتخابات امام خيارين: اما سلوك طريق العقلانية والشراكة ولو على مضض، في بلورة حلول ومخارج للأزمة الحالية، واما إعادة تكرار مشهد انقسام ما قبل الانتخابات والبقاء في ذات المواقع وخلف متاريس الصدامات والاشتباكات. وتكرار هذا المشهد معناه تمديد عمر الأزمة وتفاعلاتها التي تهدّد بتذويب لبنان واندثاره».
بري يحيي المغتربين
الى ذلك، توجّه رئيس مجلس النواب نبيه بري بالتحية والتقدير للناخبين اللبنانيين المقيمين في الخارج، على قيامهم بواجبهم الوطني والدستوري وإنجازهم المرحلة الأولى من استحقاق الإنتخابات النيابية.
وقال بري في بيان امس: «تحية إعتزاز وتقدير للبنان المقيم في أوروبا وإفريقيا والأميركيتين وآسيا وأوستراليا.. شكراً لكل من تكبّد عناء السفر وقطع آلاف الأميال ليؤكّد صدق وأصالة إنتمائه للبنان الوطن الذي حدوده كل الكون».
اضاف: «ننحني إجلالاً وإكباراً لكل لبناني صوّت للوائح الأمل والوفاء في كل القارات والدول، خصوصاً من أدلوا بأصواتهم متحرّرين من الضغوط والقهر والتهويل والتضليل، مؤكّدين مجدداً أنّ «صوت الحق يعلو ولا يعلى عليه»، والتحية ايضاً، موصولة للأصوات المعارضة كلاهما يجب أن يكمّلا الآخر ليشكّلان قيمة مضافة للوطن لا بدّ أن يتلاقيا على قيم الديموقراطية وثقافة القبول بالآخر من أجل لبنان وإنسانه أينما كان».
مولوي والبدلات
ومع إقفال آخر صناديق اقتراع المغتربين والشروع في نقلها بحقائب ديبلوماسية الى بيروت، اعتبر وزير الداخلية القاضي بسام مولوي في مؤتمر صحافي، أنّ «الإقبال الكثيف من قِبل المغتربين اللبنانيين يعني وجود نية للمشاركة في بناء لبنان جديد ينهض من أزمته». وتوجّه الى جميع القضاة والموظفين والأجهزة الأمنية، بالقول: «ستحصلون على بدلات أتعاب الانتخابات «كاش» خلال أسبوع».
نسبة مقترعي الاغتراب
وفي السياق ذاته، عقد الامين العام لوزارة الخارجية والمغتربين هاني شميطلي والمدير العام للمغتربين هادي هاشم مؤتمراً صحافياً مشتركاً، في الوزارة، شرحا خلاله مسار العملية الانتخابية للبنانيين في الخارج، في حضور فريق العمل الذي أشرف على إتمام هذه العملية.
واوضح أنّ «هدفنا في الوزارة كان الوصول إلى نسبة اقتراع أكثر من 70% «، وقال: «هذه العملية الانتخابية هي الأكبر في تاريخ لبنان الحديث، إذ بدأنا في 6 أيار من إيران وانتهينا اليوم (امس) في الولايات المتحدة». لافتاً الى أنّ «الأرقام الأولية تشير إلى نسبة اقتراع بلغت حوالى 60% في العالم أجمع، وهي نسبة جيدة، إذ اقترع ما بين الـ128 و130 ألف ناخب». مشيراً الى «انّ الخروقات والشوائب التي شهدتها العمليّة الانتخابيّة في الاغتراب عولِجت فوراً، ونحن بانتظار ورود المحاضر وهي ستُحال إلى القضاة وهم يُقرّرون احتساب الأصوات من عدمه». وشدّد على أنّ «الكلمة الفصل تبقى للقضاء، أمّا نحن فنُعالج الخروقات على الأرض فقط».
زيارة البابا
من جهة ثانية، تردّد امس، انّ زيارة البابا فرنسيس التي كانت مقرّرة الى لبنان يومي 12 و13 حزيران الجاري، لن تتمّ في هذا الموعد. ورُدّ السبب إلى حالة صحية المّت بالبابا وتحديداً تعرّضه لإصابة في الركبة اضطرته لاستخدام الكرسي النقّال.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :