الإقبال الكثيف للبنانيين المنتشرين على التصويت في أقلام الإقتراع يتجاوز حدود العملية الإنتخابية التقليدية، إلى رحاب آفاق التغيير والتخلص من هذه المنظومة السياسية الفاسدة، والرهان على مستقبل واعد لوطن دفعت أجياله أثماناً باهظة لفشل وأنانية طبقة سياسية إستباحت كل المبادئ الأخلاقية والوطنية، وإرتكبت شتّى الموبقات لتُراكم الثروات الحرام، ولو على حساب هذا الشعب المنكوب.
التغيير هو الهدف الكبير الذي أشعل حماسة المنتشرين، شيباً وشباباً، للإقتراع بكثافة غير معهودة في تاريخ الإنتخابات اللبنانية، لإسقاط هذا الحلف الشيطاني بين الأطراف السياسية المتواطئة في ما بينها، لنهب أموال الناس، والإمعان في سرقة مرافق الدولة وإفلاسها.
اللبناني الذي يضيق ذرعاً من طوابير الإنتظار في بلده، تحمل الوقوف ساعات طويلة تحت عنين الشمس، وبوطأة حرارة الصيف التي بلغت الأربعين درجة في دبي، ليدلي بصوته للتغيير، إنتقاماً من ممارسات السياسيين الفاشلة والتي أدت إلى تهجيره من وطنه، وإضطراره للبحث في أنحاء المعمورة عن حياة آمنة وكريمة له ولعائلته.
المتابع لإحداثيات أقلام الإقتراع المنتشرة شرقاً وغرباً، لاحظ بسهولة حجم عزلة مندوبي الأحزاب التقليدية، أمام تسونامي الغضب الذي حرّك الناخبين في الخارج، بهدف التخلص من «لصوص الهيكل»، وتحقيق التغيير المنشود في البنية السياسية، والإنتصار لطموحات الشباب في بناء الدولة القادرة والعادلة.
وإذا كان من المبكر الحديث عن نتائج أقلام الخارج، فثمة ملاحظات لا بد منها، عشية الوصول إلى «أم المعارك» يوم الإنتخابات في الداخل:
١ــ شعلة الحماس التي ألهبت حركة الإقبال على التصويت في الخارج، ستساعد كثيراً على تغيير المزاج الإنتخابي البارد في الداخل، تحت ضغط الأولويات والأزمات المعيشية المتفاقمة، من كهرباء ودواء ومياه ونفايات، وصولاً إلى أسعار المواد الغذائية والمحروقات التي تواكب حركة الدولار يومياً.
٢ــ لم تُفلح العراقيل المفتعلة التي وضعها بعض الديبلوماسيين المحسوبين على التيار الوطني الحر، في ثني المقترعين في الخارج عن ممارسة حقهم الطبيعي في الإقتراع، وتحمل حرارة الشمس الحارقة، وتكبد قطع المسافات الطويلة، وتحمل معوقات الإنتقال والإنتظار، بهدف محاصرة الصوت الإغترابي الذي ينحو بإتجاه التغيير، ويحاول إزاحة اطراف السلطة الحالية من مواقع القرار.
٣ــ أطاح الإقبال السنّي على صناديق الإقتراع في دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة السعودية والإمارات والكويت، بالدعوات الملتبسة لمقاطعة الإنتخابات، وذلك تجاوباً مع دعوة مفتي الجمهورية في خطبة عيد الفطر للإقتراع الكثيف، فضلاً عن حملات التوعية التي قامت قيادات سياسية، خاصة الرئيسين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة، والتحذير المستمر من مخاطر المقاطعة على الخيارات الوطنية والعروبية لأهل السنّة والجماعة، وحفاظاً على مكانة الطائفة المؤسسة للكيان اللبناني في المعادلة الوطنية.
ومن الطبيعي أن تُخيم أجواء هذا الإقبال على العملية الإنتخابية في بيروت وطرابلس وصيدا، وفي مختلف المناطق ذات الأكثرية السنّية، وتلك التي يتواجد فيها الصوت السنّي الوازن.
٤ــ أشارت التقارير الإعلامية الأولية إلى أن حركة التصويت في مختلف الأقلام العربية والغربية لم تكن لصالح التيار العوني، الذي سجّل تراجعات ملحوظة في أوساط الإغتراب. وأن المنافسة إحتدمت في الأقلام المسيحية بين القوات اللبنانية من جهة، وحزب الكتائب وبعض لوائح المجتمع المدني من جهة ثانية. وفي حال إنعكست هذه الأجواء على أقلام الداخل، فإن جبران باسيل سيكون الخاسر الأكبر على الساحة المسيحية.
٥ــ يمكن القول أن مفاجأة الإنتخابات الإغترابية تمثلت بإنخفاض نسبة الإقبال في البلدان الأفريقية، فضلاً عن محدودية عدد المسجلين في السفارات والقنصليات، والذين بالكاد يصل تعدادهم لعدد المسجلين في دبي وحدها.
البعض إعتبر أن هذه الظاهرة تعود إلى إطمئنان اللبنانيين المتواجدين في القارة السمراء، إلى نتائج الإنتخابات في دوائرهم الجنوبية والبقاعية التي يُمسك بها الثنائي حزب الله وحركة أمل، وبالتالي لم يكلفوا أنفسهم عناء المشاركة في العملية الإنتخابية المعروفة نتائجها سلفاً. في حين أن البعض الآخر يرى أن إستنكاف الناخب الشيعي في أفريقيا عن الإقتراع يعود لغياب اللوائح التغييرية في دوائر الجنوب والبقاع، على النحو الذي ظهرت به في بيروت والشمال والبقاعين الأوسط والغربي. وبالتالي لم يكن ثمة حافز لتحريك الحماس الإنتخابي الذي شاهدناه في أقلام الطوائف والمناطق الأخرى.
لقد كسر الصوت الإغترابي المدوّي جليد الصمت المُطبق على شرائح واسعة من الناخبين المترددين في الداخل، فهل تتم إنتخابات «أم المعارك» بسلاسة وحماسة إنتخابات المنتشرين في بلاد الإغتراب التي شقت الطريق لمسار التغيير ؟
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :