عصفورية الانتخابات
عصفورية الانتخابات غرفة في عصفورية الكيان .
عندما يعيش لبنان الكبير لمدة قرن من الزمن وهو غير حاصل على أهلية الوطن ، فهو عصفورية بامتياز ، وأعجوبة بامتياز ، وهيكل من طوب يرعاه بنّاؤن لهم في وجودهم ألف غاية .
وحدهم سكان العصفورية لا يعرفون هوية المكان الذي يحتضنهم ، ولا يعرفون سبب وجودهم فيه ، يعرفون أنهم يأكلون ويشربون ، ينامون ويستيقظون ، لا يفرقون بين الصديق والخصم بين الأخ والعدو ، ويقومون بكل ما يحلوا لهم دون الانتباه الى النتائج والعواقب .
ليست عصفورية الانتخابات حدثا جديدا في لبنان ، فهي بدأت يوم أنشأ الأجنبي دولة لبنان الكبير .وتسجلّت في الدوائر الرسمية عندما اتفق اللبنانيون على الصيغة والميثاق ، واكتسبت شرعيتها من المشفى ومجموع من الأطباء الإخصائيين الذين يعرفون كيف يحافظون على استقرار الحالة المرَضية .
ساد الرواق والهدوء عصفوريات القرن العشرين ، لأن الجنون قام على التفاهم حتى في زمن الخصومة ، وكان الجنون مضبوطا تحت سقف الاحترام والخطوط الحمراء المرسومة في خرائط المصالح .
كان جنون اللانتخابات مهضوما ومضحكا ، فمثلا عندما عاتب سكان بعلبك الهرمل رئيس المجلس النيابي عن إهماله للمنطقة أقنعهم بأن التاريخ سيذكر أن صبري حمادة اعتلى رئاسة المجلس النيابي طيلة فترة حياته ، وهذه مفخرة ليست له بل لعائلات وعشائر بعلبك الهرمل وأبناء الطائفة الشيعية في لبنان وفي كل مكان فيه مواطن شيعي .
عندما طالب سكان الجنوب أحمد الأسعد الذي بقي نائبا طيلة فترة حياته ومن ثم ورثّها لإبنه كامل بفتح مدرسة ليتعلم أولادهم ، أقنعهم بأنه لا ضرورة للمدرسة لأن كامل عم يتعلم .
أما التفاهم بين كميل وكمال فكان سيد المواقف حيث قال فيه رئيس الوزراء السابق المرحوم رشيد كرامي :
أعجب من كميل وكمال يختلفان في المنطق ويتفقان في المنطقة .
للجنون وجهان ، وجه يكون فيه الابداع أقوى من التقديرات وما يتوافق مع العقل العادي ، ووجه آخر يكون فيه الحدث يخالف منطق العقل .
جنون الانتخابات في لبنان يخالف منطق العقل ، وهو مقيم دائما في خندق الأعمال السلبية التي يعجز عن تفسيرها العقل .
جنون الانتخابات جنون عادي، لا يحتمل التورية ، ولا الكناية ولا أي صورة من صور البلاغة ، لأنه واقعي وحقيقي .
في مقدمة جنون الانتخابات اختفاء النقّ .
تبدأ رحلة النقّ من اليوم الذي يعقب نتائج الانتخابات وتستمر على نفس الوتيرة الى الأسبوع الذي يسبق موعد الاقتراع ، فيتشارك الناس مع المرشحين فترة الصمت الانتخابي ، فاحترام الناس لقدسية الانتخابات وشفافية المرشحين وتقديرا للتعصّب ولضرورة إشباع الجيبة ،وإفساحا بالمجال لحركة المفاتيح الانتخابية ، تقديرا لهذه العوامل الانسانية ولأشياء أخرى مخفية لا مجال لذكرها في هذه العجالة يختفي النقّ ويظهر جنون الصمت .
لانتخابات 2022نكهة جنون خاصة ففيها من الزهايمر ما يكفي ، وفيها من الانفصام ما يحتاج الى عيادات تفوق العيادات الموجودة في البلد بعشرات المرات ،وفيها من خرف الشباب ما يملأ الساحات والشوارع ، وفيها من الكذب والنفاق ما يعلو فوق التلال .
جنون انتخابات 2022فاق التصورات ، فقد خرج المجانين الى باحات العصفورية وراحوا يتدافشون وكأنهم في يوم الحشر ، أو كأنهم سيخرجون من العصفورية الى مصّحات الطب النفسي ، يتدافشون في ملعب مسور ومغلق، تتسرب من قضبان بواباته إحاءات تُحرِّك الحضور بما يتناسب مع ليونة أجسادهم وخِفّة عقولهم ويخدم مصالح من يُطلق الإحاءات.
من مميزات جنون اليوم ،الإنصراف الى زيارة عيادات التجميل التخصصية ، فالشكل الحسن ضرورة لتعميم فكرة المشاريع المؤجَّلة ،والمواقف الرمادية والوعود العرقوبية .
من جنون انتخابات هذه الدورة بقاء الحال على حاله ، بقاء ذات الأشخاص على المقاعد ،مع أن الشعب في جهنم ، فلا من أوصله الى الجحيم انسحب ولا من أوصل من أو صله الى هذه الحال اتعظ ، او تعلّم ماذا يعني الاقتراع ، ولا من يزعم أنه يمثل مشروع الخلاص اهتدى الى رسم الأهداف القريبة والبعيدة لمشروع انقاذ الكيان من مستنقعات السياسات الآسنة .
من جنون انتخابات هذه الدورة غليان مساعر الطوائف وحكش كل مسعر بمسعار نقيضه ، مما جعل البلد يشتعل على مواقد من جمر بموافقة ورضى من جميع مكوناته .
أعجوبة لبنان بإنتخاباته أن الناس يذهبون الى الانتحار بإراداتهم ، يختارون التمرجح على المقاصل وينتظرون من يقطع حبال الاعدام .
جنون الانتخابات من جنون الكيان ، وجنون الكيان من جنون الناس ، وجنون الناس موروث من جنون الطوائف والمذاهب والعشائر والبيوتات السياسية .
سامي سماحة
نسخ الرابط :