إنتهت مرحلة تسجيل اللوائح لتصبح المعركة الإنتخابية أكثر وضوحاً وتتبيّن معها الأطراف المتنافسة والمتحالفة. وكما في كل معركة إنتخابية، بدأت تظهر الشعارات الإنتخابية والوعود الخيالية، من "نحنا بدنا وفينا" التي أطلقتها "القوات اللبنانية" متناسيةً السنوات التي قضتها في السلطة التنفيذية وصولاً لشبكة المترو التي وعد بها "حزب الله" اللبنانيين متناسياً عدم قدرة وزير الأشغال على تزفيت طريق البقاع الدولية بسبب الأزمة المالية. وكلّ هذه الوعود الفارغة وغير الواقعية تصوّر منصب النائب على أنه الآمر الناهي في الدولة اللبنانية، وهو يكاد دوره لا يتعدّى التشريع ومراقبة عمل الحكومة في أفضل الأحوال.
ورغم هذه الوعود الكبيرة، فإن طبيعة القانون الإنتخابي توضح أن المعركة الإنتخابية الفعلية تقتصر على نحو 40 مقعداً، في حين أن المقاعد المتبقّية باتت شبه محسومة ويمكن لأي خبيرٍ انتخابي تحديد الفائز بها، لذا فإن الحديث عن الإنتخابات باعتبارها استحقاقاً مصيرياً ووجودياً، أمرٌ مبالغٌ به إلى حدّ بعيد، والإدّعاء بذلك لا يتعدّى إطار خطابات التعبئة التي تُريد من خلالها الأحزاب محاكاة جمهورها وشدّ عصبها، فالبلاد لم تعد مقسومة بين طرفي 8 و14 آذار، ولم تعد نتائج الإنتخابات بالأهمية التي كانت عليه في انتخابات 2009 لناحية تحديد الأكثرية النيابية ورسم موقع لبنان في المعادلة الإقليمية.
فوفقاً للمعطيات، يمكن الجزم بأن الأكثرية النيابية ستكون لصالح "حزب الله" وحلفائه، وكلّ ما يطمح اليه الخصوم هو ضمان عدم حصول هذا الحلف على ثلثي مجلس النواب كنوع من إحداث التوازن داخل المؤسسة التشريعية. ومهما تكن نتيجة الإنتخابات، فما زال منطق الديمقراطية التوافقية هو المنطق الغالب لدى صنّاع القرار في البلاد، وهذا ما سينعكس على استحقاقات ما بعد الإنتخابات، سواء لناحية تشكيل الحكومة الجديدة أم انتخاب رئيس الجمهورية أم غيرها من الملفات الساخنة كملف الحدود البحرية، كما أن أي أكثرية قادمة ستكون مجبرة على استكمال التفاوض مع صندوق النقد الدولي والإذعان لطلباته نظراً لغياب أي حلول أخرى للأزمة الإقتصادية والمالية.
وعلى الرغم من كثرة الحديث عن الإهتمام العربي والدولي بالمعركة الإنتخابية ومحاولة محاصرة "حزب الله" من خلالها، فإن الوقائع تُشير الى أن الانسحاب العربي من الملف اللبناني ما زال سارياً، وهذا ما تبيّن من خلال إصرار الرئيس سعد الحريري، على عدم إضفاء مباركة مستقبلية لأي لائحة.
لذا، فإن هذه الانتخابات لن تحمل في نتائجها أكثر من بعض التغييرات الطفيفة لناحية إمكانية فوز بعض مجموعات 17 تشرين بمقاعد نيابية محدودة أو تعزيز الزعامات المحلية في بعض الدوائر ولاسيّما ذات الأغلبية السنية، في حين أن الصورة العامة لمجلس النواب والمشهد السياسي وانقساماته لن تتغيير بالقدر الذي يطمح اليه اللبنانيون، وإنما ستكون استكمالاً للتوازنات السياسية القائمة.
نسخ الرابط :