إذا أردنا تحليل الواقع السياسي اللبناني الشامل علينا تحليل سلوكيات القوى المتصارعة على جميع الأصعدة الشعبية، الثقافية والإعلامية. فنرى أن المعارك الإعلامية باتت ترخي بظلالها على مرحلة ما قبل الإنتخابات النيابية والتي تعتمد على تعبئة الجماهير طائفيا" وسياسيا" لكسب التعاطف وادعاء دور المنقذ الوحيد كل بحسب أهوائه ومصالحه.
فنلاحظ أن جزء" كبيرا" من أحزاب ورموز السلطة وحتى المجموعات والشخصيات التي لبست لبوس المعارضة التغييرية ما قبل وما بعد انتفاضة 17 تشرين 2019 ترتكز في خطاباتها الإعلامية وتوجيهاتها الثقافية على أمرين أسياسين هما سلاح المقا ومة وارتباطه بالمنظومة الحاكمة، متجاهلين وبشكل متعمد الخطر الصهي وني المستمر وتأثير الجغرافيا على الواقع الأمني السياسي الإقتصادي للبنان. فكل يستعمل خطابه الغرائزي وإن لم يكن خطابا" طائفيا" مباشرا" لكان خطابا" كيانيا" إنعزاليا" مرتبطا" بنشوء "لبنان الكبير" مساويا" بين العدو والصديق. فيعود لتحميل الفلسطينيين والشاميين(السوريين) ومن وقفوا إلى جانبهم مسؤولية ما وصلنا إليه ويربطه بدور ح.الله وحلفائه بالوضع الإقتصادي الحالي متناسيا" وبشكل متعمد أيضا" أن جماعة 14 آذار هم من أركان الحكم بعضهم منذ 1990 وبعضهم ما قبل والبقية منذ عام 2005.
لا أبرئ هنا ولا أستطيع تبرئة قوى 8 آذار من الوضع المأساوي الذي يعيشه لبنان لكن لا يمكننا تحميل هذا الفريق وحده المسؤولية ولا تبرئة من شاركوا أو سكتوا من الطرف الآخر خاصة متقلبي الإنتماء من بعض المجموعات.
قد ذكرت في مقال سابق أن هذه المجموعات اتخذت من
"شيطنة الأحزاب" نقطة انطلاقة وهذا لتعميم نهجها الفوضوي ونهج أركانها الوصولي والذين نراهم اليوم يستبعدون عددا" كبيرا" من العلمانيين والوطنيين المستمرين في مواجهة المنظومة الحاكمة منذ سنوات طويلة، مؤكدين على "العقلية الإلغائية" والإستثمار في أوجاع الناس من أجل وصولهم إلى السلطة، محاولين حجبها عن مستحقيها من أصحاب التاريخ النضالي المشرف.
يعود هذا الأمر أيضا" إلى أن 17 تشرين لم تأتي من تفكير سياسي واحد ولا حتى من أفكار مشتركة بل أنها لحظة سياسية نتجت عن غضب جماهري متنام، سرعان ما تحولت إلى "لحاف" يشد به كل أحد لصوبه كي يحصد الجماهير وأصواتها الإنتخابية معا".
بالعودة إلى أحزاب ورموز السلطة فهي تتصارع فيما بينها حتى المتفقين ضمنيا" على المشروع الإنعزالي التقسيمي الموالي للخارج فنراهم يكيلون الإتهامات لبعضهم محتسبين من كانت مدة مشاركته في الحكومة أطول ومن خرج منها قبل الثاني، متبارين فيما بينهم من يصعد بخطابه التحريضي ضد قوى المقا ومة أكثر ومن يستثمر في الغرائزية الطائفية العلنية والمبطنة أكثر.
كل هذه الأمور تؤكد بأن الصراع في لبنان بأغلبه هو صراع سلطوي شخصاني أكثر مما هو صراع مبادئ، فالعلمانيون والتغييريون منقسمون بين ولاءات وانتماءات ولوائح والسلطويين منقسمين بين من عارض قبل ومن هو قادر على التحريض أكثر مذكرين دائما" بمشاهد الحرب الأهلية وب 7 أيار و كل يتناول الجانب الذي تعرض فيه "أبناء طائفته" للأذى مطلقا" الوعود بالتحرير والثأر والإنتقام مستخدما" الخطابات الشوفينية العنترية الفارغة معللا" النفس بانهمار آلاف الأصوات الإنتخابية عليه.
بالمقابل نرى قوى المقا ومة وحلفائها أيضا" يتصارعون على المواقع النيابية بشكل يثير الإشمئزاز فالأحزاب صاحبة العنوان الطائفي ضمن هذه القوى تمارس الطمع بأبشع أشكاله محاولة" أكل "الأخضر واليابس" واحتكار التمثيل الطائفي والشعبي أيضا". وهذا ما تعاني منه "المقا ومة" فبات الغطاء الطائفي لسلاحها عبئا" كبيرا" يهدد وجودها ضمن الوجدان الوطني، فالناس لا تريد التحرر من الإحتلال
الصهي وني لتقع تحت سطوة الجماعات الطائفية الطامعة محتكرة المناصب والمتهمة هي أيضا" بالفساد والهدر والسرقة.
في الختام ندعو شعبنا إلى تحكيم العقل قبل الإدلاء بصوته والعودة إلى مسلسل الأحداث اللبنانية والتي أثبتت أن الخطاب الإنعزالي أو الطائفي أو الإقصائي الإلغائي لا ينتج سوى الدمار والخراب.
وأن يجعل تفكيره مجتمعيا" مهتما" بتحقيق المصلحة العامة التي تحفظ المصلحة الخاصة، لا العكس.
ورغم صعوبة الخيارات إلا أنه ما زال يوجد عددا" لا بأس به من المرشحين الصادقين أصحاب النضال الحقيقي والتي أثبتت أفعالهم صدقهم في مواجهة المنظومة الحاكمة والقوى الرجعية معا".
نور خنيصر
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :