تزامناً مع الانتظار السياسي على خط الورقة الخليجية، بدأت السياسة بالانكفاء شيئاً فشيئاً عن المشهد الداخلي، لتفسح الطريق أمام الاستحقاق الانتخابي الذي بدأت أجراسه تقرع في كل الزوايا اللبنانية، معلنة دخول البلد عملياً في مرحلة انتقالية مداها ثلاثة اشهر ونصف، حيث لا صوت فيها يعلو على صوت الانتخابات النيابية، فلا إنجازات منتظرة من الجانب الحكومي، فأقصى ما هو متوقع من الحكومة، هو تقطيع هذه المرحلة بشيء من التسلية في مقاربة بعض الملفات، وفي مقدّمها مشروع الموازنة الذي يفترض ان يُنجز هذا الاسبوع ويُحال الى مجلس النواب، الّا إذا حدثت مفاجآت فرضت نفسها كبند طارئ على جدول الأعمال الداخلي وحرفت المسار الداخلي في اتجاه غير محسوب.
فالباقي من الزمن 103 أيام تفصل عن موعد الانتخابات النيابية في 15 أيار المقبل. ذلك اليوم الذي تؤشّر كل الوقائع السابقة له الى معركة حامية الوطيس تحضّر لها الأطراف الداخلية على اختلافها، وتحت عناوين مختلفة ومتصادمة بين قوى تخوضها معركة مصيرية، وقوى تسعى الى الحفاظ على أحجامها أو إلى تكبيرها، وقوى تسعى الى كسر أكثريات معيّنة للتربّع في موقع الأكثر تمثيلاً في طائفته، وقوى تذهب بعيداً في وضع عنوان عريض لمعركتها، فحواه إحداث انقلاب جذري في الخريطة النيابية القائمة حالياً، وبلورة خريطة جديدة بموازين جديدة تعبّر عن تطلعات الشعب اللبناني.
وعلى هذا الأساس انطلقت التحضيرات لهذا الاستحقاق، ومنافخ الشّحن الانتخابي من كل الاتجاهات السياسية والحزبية، بكّرت في عملية الضخّ السياسي والشعبوي، وغير ذلك من عوامل جذب الناخبين. وعلى نحو باتت فيه الطريق الى الاستحقاق الانتخابي، مزدحمة بشعارات، وعناوين كبرى، ومبالغات، وبكائيات على أحوال اللبنانيين ومعاناتهم من الأزمة التي تعصف بهم، ووعود؛ كلّها ستدخل الى المصفاة في يوم الانتخاب، الذي سيقرع فيه جرس الحقيقة ويذوب ثلج كل تلك العناوين، ويظهر المرج الحقيقي الذي سيكون دويّه بالتأكيد، مفاجئاً لأصحابها، في ظلّ القانون الانتخابي الحالي المانع لأي تطوير او تغيير.
الانتخابات ستحصل أم لا؟ وإذا كانت الأجواء العلنية لأطراف الانقسام الداخلي تؤكّد انّ الانتخابات النيابية حاصلة في موعدها، ولا رغبة لأيّ طرف في تعطيلها، إلّا انّ ذلك يتزامن مع ما يمكن تسميتها "النقزة" التي تسود بعض المستويات الداخليّة السياسيّة والروحيّة، وكذلك الخارجيّة والغربيّة على وجه الخصوص، حيال مصير انتخابات ايار، والخشية من بروز عوامل تعطيلية وافتعالات معينة من قِبل أطراف معينين، لقطع الطريق على خسارتها الحتمية في الانتخابات. وهو الامر الذي يشكّل بنداً وحيداً في جدول الموفدين الى لبنان، وكذلك في تحرّكات الديبلوماسيّين الغربيّين في اتجاه المستويات السياسية والرسمية، لتبديد شكوكها حيال الاستحقاق والتثبت من صدقية التوجّه نحو الانتخابات، والتحذير من الخطأ الفادح والمكلف للبنان بتعطيل الانتخابات.
وفي هذا السياق، اكّد مرجع مسؤول لـ"الجمهورية": "الانتخابات ستجري في موعدها، وكل الناس بدأت تستعد للعملية الانتخابية، ولا أحد في الداخل يستطيع ان يعطّل هذا الاستحقاق. مع الأسف هناك من يحاول ان يشوّش على الانتخابات فقط من باب التشويش، لأنّه يعتقد بخسارته مسبقاً في هذه الانتخابات، ولذلك تراه يطلق مواقف، ويرسل تقارير الى هذا الاتجاه او ذاك يشكّك فيها بإجراء الانتخابات في موعدها. وأنا اؤكّد أنّ هذه الانتخابات ستجري يوم الاحد في 15 ايار، ولن تتعطّل، لا بل اقول لن يجرؤ احد على تعطيلها".
وبالتزامن مع فتح باب الترشيح لانتخابات ايار، بدأت حركة الاتصالات تنحى صعوداً وفي اتجاه التزخيم على أكثر من خط، ومحاولة التقاط ما يمكن التقاطه من اوراق رابحة، وخصوصاً في موازاة نقطة الارتباك الاساسية التي خلقها انكفاء الرئيس سعد الحريري وتيار "المستقبل" عن المشهد السياسي والانتخابي. حيث يبدو انّ مختلف الأطراف باتت جهودها منصبّة في الاتجاه الذي يمكّنها من جذب من يمكنه جذبه من "التركة الحريرية"، وكذلك كيفية التعامل مع المستجد الذي تجلّى بإعلان بهاء الحريري دخوله الى هذا المشهد.
وقالت مصادر مواكبة لهذه الاتصالات لـ"الجمهورية": "كل طرف يسعى الى تجميع اوراق قوة انتخابية، من يصنّفون انفسهم سياديين ينافسون بعضهم لتصدّر المشهد، والصراع محتدم في ما بينهم. وكذلك الامر بالنسبة الى الأطراف الأخرى، فالقوى السنّية سواء المصنّفة 8 آذار، او المصنّفة في الخانة المناقضة لها، اولويتها وراثة مقاعد تيار "المستقبل"، وهو أمر حساس وقابل للتفاعل اكثر في المرحلة السابقة للانتخابات، حيث انّ الجو السنّي مفتوح على شتى الاحتمالات، والاصطفافات".
على انّ اللافت للانتباه في ما تقوله المصادر عينها هو "انّ المستجدات التي طرأت على طريق الاستحقاق، قد تفرض نمطاً جديداً في التعاطي معه من قِبل فرقاء آخرين، وإذا كان محسوماً التحالف الانتخابي بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، فإنّه من غير المستبعد ان ينسحب هذا التحالف على حركة "امل" و"التيار الوطني الحر"، على قاعدة انّ الضرورات الانتخابية تبيح المحظورات السياسية وتتجاوز الخصومة السياسية ولو مؤقتاً، وذلك لقطع الطريق أمام تقدّم أطراف اخرى يعتبرها ثلاثي "امل" و"الحزب" و"التيار" خطراً على لبنان".
واللافت في السياق الانتخابي، الحضور الأممي على هذا الخط، والذي تجلّى في متابعة منسّقة الامم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا جولاتها على المراجع السياسية والروحية، حيث زارت امس نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى الشيخ علي الخطيب، وتناول البحث الوضع الداخلي الى جانب موضوع الانتخابات النيابية التي جدّدت فرونتسكا التأكيد على إجرائها، فيما قال الشيخ الخطيب: "الانتخابات النيابية استحقاق دستوري ندعو الى إنجازه في مواعيده، حتى يعبّر اللبنانيون عن إرادتهم وآرائهم في اختيار ممثليهم، بما ينتج سلطة سياسية قادرة على تحقيق آمال اللبنانيين"، داعياً الى "استكمال تطبيق اتفاق الطائف لجهة تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وإقرار قانون انتخابي خارج القيد الطائفي وتشكيل مجلس للشيوخ".
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :