لعلّها المفارقة التي توقعها بعض كبار المطلعين على خفايا كثيرة لم تكشف بعد في ابعاد اعلان الرئيس سعد الحريري تعليق عمله السياسي وامتناعه و”تيار المستقبل” عن الترشح للانتخابات النيابية، انه قبل ان تمضي 24 ساعة على مؤتمره الصحافي في بيت الوسط، كان السباق الانتخابي نحو ساحة قواعد الحريرية يشتعل بين قوى داخلية عدة. والحال ان هذا السباق، الذي بدا واضحاً انه كان في طور التحفز بناء على التقديرات السابقة بانسحاب الحريري، انطلق بحدة فورية سواء عبر المواقف والسجالات التي تعاقبت أمس أم على نحو مضمر غير علني، بما يعني ان خلط الأوراق الواسع والناشئ عن قلب الطاولة التي تسبب بها قرار الحريري لم يحتمل تبريدا لأكثر من ساعات، فبدأت الحسابات الانتخابية والسياسية تخرج من القمقم غداة سفر الحريري ليل اول من أمس إلى ابوظبي بعد ساعات من اعلان قراره.
وأشارت "النهار" أنه يمكن اختصار المشهد في اليوم التالي على قرار الحريري انه انقسم بين “ساحتين” أساسيتين لخصوم وحلفاء، فيما لا تزال “ساحات” الشركاء الاخرين، خصوما او حلفاء أيضا، ساكنة تلتزم الترقب والتريث. ساحة الوقع المباشر للقرار أي لدى “تيار المستقبل” وعبره كل القوى والاتجاهات السنية تحديدا التي تعتمل بمخاض غير مسبوق منذ محطات مفصلية مصيرية مثل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري او عملية 7 أيار 2008 وسط تصاعد المخاوف إلى ذرواتها من تداعيات الفراغ الذي سيحدثه ابتعاد الرئيس الحريري و”تيار المستقبل” عن الانخراط في العملية الانتخابية. وبدا واضحا ان ثمة تهيباً واسعاً حتى الان لدى مختلف المعنيين في هذه الساحة عن الخوض في رسم سيناريوات حول البدائل الانتخابية فيما لا تزال “مشاريع البدائل” غامضة وغير مؤهلة لمواجهة استحقاق بمستوى محاولة ملء فراغ “المستقبل”. اما نواب “المستقبل” وأركانه فبرزت معطيات سريعة تعكس اتجاههم إلى التقيد الأقصى بقرار الحريري. واتخذت تغريدة مقتضبة للرئيس #فؤاد السنيورة في هذا السياق دلالات معبرة اذ كتب “اخي سعد، معك رغما عن قرارك ومعك رغما عنهم”.
أما الساحة الأخرى فشكلت مفاجأة إلى درجة معينة اذ تمثلت بيقظة الصراعات والتنافسات المسيحية التي سرعان ما اثبتت انها تعتمل أكثر من سائر الساحات تحفزا للمعارك الانتخابية. ولكن لم يكن تطورا عابرا ان تبرز الحساسية الكبيرة الكامنة بين تيار “المستقبل” و”القوات اللبنانية ” غداة اعلان الحريري قراره الامر الذي عزز ما يتردد عن سيناريوات تحالفية بين “القوات” وشخصيات سنية في الشمال وغيره على خلفية محاولات توظيف الانسحاب “المستقبلي” لملء فراغه بنواب لتحالف يجري العمل عليه في الكواليس منذ مدة غير قصيرة. وبذلك برزت على مستوى التفاعلات المسيحية مع قرار الحريري تداعيات في اتجاهين: الأول بين القوى المسيحية الكبرى كـ”التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” اللذين يجمعها عامل واحد في هذا السياق هو الخصومة الحديثة ولكن الحادة جدا مع الرئيس الحريري ويسعيان كل من جانبه إلى استمالة القواعد السنية في المناطق التي سيخوضان فيها معاركهما الكبيرة ويواجهان عقبة الصوت السني الحاسم المناصر لتيار المستقبل. والثاني بين هذه القوى نفسها بعضها في مواجهة البعض الاخر في معارك كسر عظم حادة اكثر من أي انتخابات سابقة .
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :