الافرقاء جميعاً يتصرفون في الظاهر على انهم ذاهبون حتماً الى الانتخابات النيابية في 15 ايار. معظمهم يوحي بأنه اول الرابحين. مع ذلك، لا اشارات حسية كافية الى انها واقعة غداً. اكثر بكثير من ادعاءات المواقف، هو ما يحتاج اليه اجراؤها
في بيان الثنائي الشيعي، السبت الفائت، يأذن بالعودة الى جلسات مجلس الوزراء، حجتان بررتا العودة هذه - الى التردي المعيشي وانهيار العملة الوطنية وتداعياته - هما اقرار الموازنة العامة وخطة التعافي الاقتصادي. بيد ان البيان لم يُدرج متطلبات وشروطاً ضرورية يفترضها اجراء الانتخابات النيابية العامة في موعدها، منوطة حصراً بمجلس الوزراء المنقطع عن الالتئام منذ 12 تشرين الاول.
اكثر من سبب يوجب طرح علامات استفهام حيال مصير الاستحقاق، من غير سوداوية مبكرة على الاقل. يُنتظر ان يجرى في 15 ايار، في وقت تتسم بالغموض كل النشاطات المرتبطة بالتحضير الجدي له، القانوني والاجرائي، كما عند الافرقاء والكتل.
رغم فتح باب الترشيح للانتخابات منذ 10 كانون الثاني، وهو يستمر الى 15 آذار، لا احد حتى اللحظة تقدّم بطلب ترشحه لها، ما خلا طلباً واحداً لم يسجّل لعدم استيفائه المستندات القانونية الكافية والملزمة. بعض الاسباب المعزوة الى عدم الترشح، اقفال وزارة المال ابوابها ما حال دون الحصول حيناً على ايصال الترشح او فقدان طوابع اميرية في احايين اخرى. اكثر مظاهر البؤس، اقفالها الابواب لاعتلال موظفيها بجائحة كورونا.
لا حديث عن لوائح انتخابية، وهي شرط ملزم بدوره لخوض الانتخابات، يقتضي تدوينها لدى وزارة الداخلية في مهلة اقصاها 4 نيسان، كي تتولى طبع اوراق اللوائح هذه. يتقدّم تاريخ 4 نيسان على تاريخ 15 آذار اهمية. بإعلان اللوائح وتوثيقها، يتحدد اخيراً عدد المرشحين الذين سيخوضون الانتخابات. مَن لم يعثر على لائحة ينضم اليها، لا يسعه الاستمرار ويسقط ترشحه. في انتخابات 2018، عندما اعتمدت للمرة الاولى اللوائح المقفلة للاقتراع النسبي، لم يتبقَ من المرشحين الـ1200 الذين تقدّموا بطلباتهم سوى النصف فقط.
لا احاديث كذلك عن تحالفات، وإن من باب المناورة، للايحاء بجدية ما ينتظر 15 ايار. يكاد الثنائي الشيعي وحده لا يحتاج الى بذل اي جهد، سواء لتكريس التحالف - وقد اعلن تثبيته اخيراً - او لتأليف اللوائح من ضمن المتفق بينهما على المقاعد الموزّعة ما بين حزب الله وحركة امل. اما الآخرون، فكل يصرخ في واد: مَن يتفاءل اكثر ممّا تحمل كتفيه، ومَن يفكر في حليف لا يطعنه في الظهر الا انه يُكسبه الحاصل الانتخابي مجاناً، ومَن يخشى الانتخابات نفسها ويشهر سقوطه بعد صعوده، ومَن لم يقرّر خوضها بعد. الجميع ينتظر الجميع كي تكرّ سبحة التحالفات، نظراً الى ارتباط الدوائر الانتخابية بعضها ببعض، ووجود الافرقاء هؤلاء جميعاً فيها مرشحين او ناخبين.
مع ان البيان الاخير للثنائي الشيعي «روَّب» الاحتقان الداخلي قليلاً، وخفف من التوتر، من غير ان يبدّد العداوات المعلنة بين الحلفاء، بيد ان العقبة الكأداء التي تثير قلق معظم الافرقاء، وفي الوقت نفسه تفرح بعضهم، تكمن في معضلتين غير مُذللتين بعد:
اولاهما - مبعث القلق - الغموض الذي يكتنف الائتلافات الانتخابية، التي لا تكون في الغالب تبعاً لنسق واحد في الدوائر كلها، بل تأخذ في الحسبان واقع الدائرة الانتخابية وأحجام قواها وطريقة تبادل الاصوات، بين مَن يحتاج اليها ومَن يهبها ممّن ليس لطائفته مقعد فيها، كما بين التنافس على الحواصل الانتخابية. في نهاية المطاف، على نقيض دورة 2018، يكاد كل من الكتل الرئيسية الست يكون بلا حلفاء حقيقيين، بل محاط بخصوم واعداء، بينما يحتاج الى الفوز في هذا الاستحقاق توطئة للدخول في معادلة الاستحقاق الذي يلي.
ثانيتهما - مبعث الفرح المكتوم - ان الكتل نفسها تتوقع اقبالاً متدنياً قياسياً وربما تاريخياً على الاقتراع، سواء فُسِّر ذلك ثأراً من الناخبين على المرشحين او العوز الذي بات يتخبط فيه اللبنانيون. بيد انه سيؤول في كل حال، وهو ما بات في الوقت الحاضر يروي ظمأ الكتل المسماة قوية ومتماسكة، الى الفوز بأي ثمن، وإن بأصوات متدنية. ما يعنيها هو استعادة شرعيتها التمثيلية اكثر منها الكمّ من الاصوات التي تحوزها.
اما ما يفترض ان يدخل في حسبان الكتل تلك، فهو ان انتخابات 15 ايار ليست مرشحين وتحالفات ولوائح فقط. ما يقتضي ان يسبق ذلك كله، في سياق القانون والحاجة، اولاً بأول، هو وضع السكة التي ستسير عليها الانتخابات المقبلة، الموجبة اذذاك لانعقاد مجلس الوزراء في اسرع وقت ممكن، قبل الوصول الى الموازنة العامة او استعجالاً لها:
1 ـ تعيين هيئة جديدة للاشراف على الانتخابات. بحسب احكام قانون الانتخاب المعدل رقم 8/2021، النافذ حكماً منذ 3 تشرين الثاني المنصرم، في المادة 11 الجديدة منه، تُعيّن الهيئة قبل ستة اشهر من انتهاء ولاية البرلمان الحالي (21 ايار 2022). كان من المفترض ان يصير الى هذا التعيين في 21 تشرين الثاني حداً اقصى. غير ان تعطيل اجتماع مجلس الوزراء حال دونه، مع ان بعض المعلومات يتحدث عن اتفاق مسبق على اسماء الاعضاء العشرة الجدد، تبعاً لكوتا الحصص الموزّعة على كل من الافرقاء المعنيين. بعض المتحججين بصرف النظر عن تعيين هيئة جديدة، ان قانون الانتخاب يرعى استمرار عمل هيئة الاشراف الحالية الى حين انتخاب هيئة جديدة. يُفسَّر التباس الاستمرار عند البعض ان في وسع الهيئة السابقة مواصلة عملها في انتخابات 2022، على نحو دورها في انتخابات 2018.
ثمة ذريعة غير معلنة مرتبطة بعدم الرغبة في الاصل في تعيين هيئة جديدة، هي الخشية من ان تفتح باباً على تعيينات اخرى في الادارة، في الاشهر الاخيرة التي تسبق انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، مع ان السمة الغالبة على هيئة الاشراف انها تعيين محض اجرائي، لا ينطوي على اي مكاسب ونفوذ سياسي، شأن تلك في مرافق الادارة العامة.
2 ـ الاعتمادات والتعويضات المالية المخصصة لانفاقها على العملية الانتخابية، بأبوابها المتشعبة، المقدّر ان لا تحتاج الى اكثر من 15 مليون دولار. منها تعويضات 16 الف موظف (رؤساء اقلام)، وتعويضات لجان القيد والعسكريين والامنيين المنوط بهم السهر عليها، والاعتمادات المرصودة لاوراق الاقتراع المطبوعة سلفاً، وإعداد لوائح الشطب، وتحديد اقلام الاقتراع، وفرز النتائج الكترونياً، وكلفة نقل صناديق اقتراع المغتربين من لبنان الى الخارج ومن ثم اعادتها الى لبنان، الى نفقات استئجار قاعات للاقلام في الخارج.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :