يزداد الوضع الداخلي تأزّماً. لا حلول مطروحة في الأفق حتى ولو كانت ذات طابع ترقيعي. آخر محاولات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لكسر الجمود، تواجه المزيد من التعقيدات. اذ إنّ مبادرة رئيس الجمهورية ميشال عون لتوقيع مرسوم فتح دورة استثنائية بعدما جمع مجلس النواب تواقيع أكثر من 60 نائباً يطالبون بفتح هذه الدورة، لم تفلح في ترطيب الأجواء مع رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد لجوء رئيس الجمهورية إلى المادة 33 من الدستور ليضع جدولاً معلّباً لأعمال الدورة المنتظرة، الأمر الذي قد يدفع رئيس مجلس النواب إلى المماطلة كثيراً قبل أن يدعو لعقد جلسة تشريعية وفق «روزنامة» القصر، وقد لا يفعلها أيضاً.
في المقابل، فإنّ الرهان على وضع وزير المال يوسف خليل لمشروع الموازنة العامة لكي يبادر رئيس الحكومة إلى الدعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء، بحجة ضغط المجتمع الدولي لاقرار الموازنة وارسالها إلى مجلس النواب، قد لا يبدو سيناريو قابلاً للحياة. فلا يبدو وزير المال مستعجلاً لانهاء الموازنة ولا يبدو حتى رئيس الحكومة مُستنفَراً لمواجهة اشتباك لا يريده مع الثنائي الشيعي الرافض لتحرير الحكومة، طالما أنّ المحقق العدلي القاضي طارق البيطار مطلق الصلاحيات.
في الموازاة، كانت محاولة رئيس الجمهورية لإحياء طاولة حوارية، في آخر أيام العهد، تبوء بالفشل، لأسباب كثيرة، لعل أبرزها، توقيت هذا المشروع، كونه يحدث في لحظة انخراط القوى السياسية، موالية ومعارضة في مستنقع الانتخابات النيابية مع فتح باب الترشح رسمياً، فيما ستكون أي خطوة موضع «تقريش» في صناديق الاقترع، سلباً أو ايجاباً. ولهذا لم تلاق الفكرة أي قبول من جانب الكثير من القوى السياسية، وبعضها يُفترض أنّه من صنف «الأصدقاء». فضلاً عن خطاب التيار الوطني الحر «العدائي» الذي عبّر عنه رئيسه جبران باسيل في مؤتمره الصحافي الأخير، والذي يعطي القريبين والأبعدين أكثر من حجة لمقاطعة طاولة رئيس الجمهورية.
وعلى هذا الأساس، يجوز السؤال: إلى أي مدى ستتأثر الانتخابات النيابية بهذه الأجواء المتوترة؟ وهل هي قادرة على الصمود؟
حتى الآن، تتصرف القوى السياسية، لا سيما الأساسية منها وكأنّ الانتخابات حاصلة في موعدها، أي في أيار المقبل، طالما أنّ احتمال تأجيلها غير مضمون أو محسوم. ولكن، الرسم البياني للحملات الانتخابية، سواء من جهة الممسكين بالسلطة أو الجالسين على مقاعد المعارضة، يثبت أنّ الحراك الانتخابي لا يزال خجولاً وغير متناسب مع المهل الزمنية التي باتت داهمة، كوننا على بعد أشهر قليلة من فتح صناديق الاقتراع. بعبارة أوضح، الكلّ يتصرف على قاعدة أنّ الانتخابات حاصلة... ومش حاصلة. ولكن أياً منهم لا يدرك أي كفة ستطبش في نهاية المطاف.
إلّا أنّ حالة التأزم السياسي ترفع من رصيد التأجيل، لأكثر من سبب وسبب. اذ إنّ عودة الحياة إلى الشارع، ولو عبر تحركات محدودة، من شأنها أن تنذر بمزيد من التصعيد الذي قد يطيح بصناديق الاقتراع قبل فتحها. وها هي إتحادات ونقابات قطاع النقل البري تعلن عن موعد جديد لاضراب عام قد يجرّ وراءه سلسلة اضرابات وتحركات اعتراضية، قد يكون بمثابة زيت على نار تأجيل الانتخابات، الذي تريده معظم القوى السياسية، ولو أنّ جميعها يخشى المجاهرة بالأمر أو القيام بأي خطوة قد تصب في هذه الخانة.
في هذه الأثناء، لا يزال سعر الدولار يحلّق عالياً من دون أي سقف قد يضبطه في ظلّ حالة التوتر السياسية الحاصلة، والتي قد تطيح بأي آلية من شأنها أن تضبط الانخفاض التاريخي لسعر صرف الليرة، ما يعني أنّ كل السيناريوات المأسوية قد تجد طريقها للتنفيذ من دون أن تواجه أي رادع. ما يعني ايضاً أنّ احتمال تطيير الانتخابات على وقع الانهيار الشامل الذي يخطو خطوات سريعة، لم يعد مستحيلاً!
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :