لا يزال التحقيق في الانفجار الهائل الذي وقع في الرابع من أغسطس 2021 على رصيف الميناء في بيروت والذي أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وألقى بلبنان في دوامة الموت السياسي يُراوح مكانه.
وبموازاة ذلك، تبرز المحاولة الرابعة من المتعاطفين مع حزب الله وحركة أمل الشيعيتين لتأمين عزل رئيس التحقيق القاضي طارق بيطار بعد أن فشلت في بداية ديسمبر. ونجح الوزيران السابقان غازي زعيتر وعلي حسن خليل مرة أخرى في الثالث والعشرين من ديسمبر في وقف الإجراءات، ولا يشعر أحد بأمل كبير في أن يصدر تقرير نهائي حول التفجير في أي وقت قريب.
فكما هو الحال، استغرق الأمر 11 عاما حتى تصدر المحكمة التي تحقق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري حكمها، وذلك من أمان لاهاي. ومع ذلك، يُمكن الآن استخلاص استنتاجات مدعومة بأدلة سليمة بشأن معظم القضايا البارزة، على الرغم من المناورات المستمرة لإخفاء الحقيقة.
ويرى العقيد السابق في الجيش البريطاني جوناثان كامبل جيمس في مقال له في “عرب دايجست” أن “عواقب الانفجار تظل هي الحافز المسؤول عن الانهيار الكامل للحكومة، ولا يستفيد أحد من تعطيل سلاسل التوريد والتجارة العامة التي يعتمد عليها المواطنون العاديون للبقاء على قيد الحياة”.
ويُعد سبب الانفجار واضحا حيث يكمن في تخزين 2750 طنا من نترات الأمونيوم التي فُرّغت من السفينة “أم.في روسوس” في المستودع 12، وهو الموقع الذي تُحجز فيه عادة البضائع المصادرة من الجمارك.
وتعتبر نترات الأمونيوم بمفردها سمادا ولا تصنف على أنها مادة متفجرة، ويجب خلطها بزيت الوقود أو غيره من المتفجرات الأكثر تطايرا لتصبح خطيرة. وحتى مع مزجها لتشكيل مادة متفجرة، فإنها تحتاج إلى شحنة معززة قبل أن تنفجر.
ومع ذلك، فإن نترات الأمونيوم من المحتمل أن تصبح مادة متطايرة من تلقاء نفسها بينما لا تزال سمادا. وتوجد لوائح أمان في معظم البلدان تحكم تخزينها، لاسيما لأنها تتدهور في التخزين وتكون عرضة للانفجار عند تعرضها للحرارة أو الصدمة أو التلوث بالمواد الكيمياوية والمواد الأخرى.
وفي الرابع من أغسطس، أدت الظروف إلى انتهاك لوائح السلامة الخاصة بتخزين نترات الأمونيوم بطرق متعددة حيث كانت درجة الحرارة المحيطة في وقت وتاريخ الانفجار، معززة بالتخزين في مستودع عديم التهوئة، عند الذروة السنوية أو بالقرب منها.
وتم تخزين نترات الأمونيوم إلى جانب شحنة من الألعاب النارية المصادرة من الجمارك. وكان فريق إصلاح على ما يبدو يُجري إصلاحات اللحام لأبواب المستودع 12. وجرى استدعاء طاقم إطفاء للتعامل مع حريق في المستودع ناتج عن نشاط اللحام، وقبل أن يموت الجميع في التفجيرين اللاحقين، أفادت الأخبار بأنهما كانا يتعاملان مع حريق في الألعاب النارية المصادرة.
فقد كان هناك انفجار أوّل في الألعاب النارية في الساعة 18.07، قبل حدوث الانفجار الكارثي بعد حوالي 30 ثانية. وتوضح ظروف الأحداث وتسلسلها، بالإضافة إلى الإبلاغ عن أولئك الموجودين في مكان الحادث قبل مقتلهم في ما بعد، بشكل قاطع أن حريق الألعاب النارية الأولي وفر تأثيرا كافيا للصدمة والحرارة والانفجار لإشعال نترات الأمونيوم التي كانت غير مستقرة بالفعل بسبب ظروف التخزين.
وتبقى الفرضية القائلة بأن الانفجار كان نتيجة ثانوية لهجوم إسرائيلي على متجر أسلحة قريب تابع لحزب الله تكهنات تستند إلى مصادر لا أساس لها.
ولم تظهر دلائل على ما افتُرض أنه صاروخ أصاب مستودع الرصيف في اللقطات الصوتية والمرئية للفترة التي سبقت الانفجار مباشرة وبعده، وربما اختلط الأمر مع تحليق الطيور في المنطقة. كما كان هناك ما يكفي من الهجمات الإسرائيلية على أهداف في كل من لبنان وسوريا في السنوات الأخيرة لتحديد ما يبدو أنه معايير استهداف متسقة تماما، وعادة ما تكون نتيجة تهديد وشيك ومباشر للسلامة والأمن الإسرائيليين.
وربما لسوء حظ البعض، ليست الهجمات الإسرائيلية مصممة لحماية المدنيين السوريين من البراميل المتفجرة الحكومية، ولا لصالح طرف أو آخر في الصراعات الداخلية المستمرة داخل لبنان وسوريا. وفي حين أن الهجمات الإسرائيلية في لبنان وسوريا غير معترف بها رسميا، إلا أن هناك نمطا مميزا للتسريبات التي تؤكد التورط الإسرائيلي حتى في أكثر الهجمات دموية. وكان غائبا تماما في هذه الحالة.
ومع ذلك، تبقى بعض الأسئلة مفتوحة حيث تكون الأدلة أقل وضوحا.
ويُقدر مكتب التحقيقات الفيدرالي أن 552 طنا فقط انفجرت في 4 أغسطس، أي أقل من خُمس 2750 طنا من نترات الأمونيوم التي أرسِلت إلى المستودع. وليس “الانكماش” في مستودعات الرصيف في جميع أنحاء العالم نادرا. ولكن، من الذي استفاد في هذه الحالة من اختفاء أكثر من ألفي طن من نترات الأمونيوم؟ هل كانوا تجارا زراعيين يبيعون السماد للاستخدام الزراعي مع عمل ضباط الجمارك على التعويض عن التسرب البطيء؟ أم أن الحكومة السورية، عبر وكلائها في لبنان، تستخدم مصدرا متاحا من نترات الأمونيوم كمادة وسيطة لتصنيع المتفجرات الخام؟ وانخفض إنتاج نترات الأمونيوم في سوريا من 87412 طنا في 2004 إلى 16 ألف طن في 2013، مما يشير إلى أن العرض المحلي كان غير كاف بحلول 2014. ولم يكن هذا الانخفاض من الناحية الفنية في الإنتاج تحديا إنتاجيا لا يمكن للحكومة السورية التغلب عليه، ولكن ربما كان من الأسهل الحصول على المواد المتوفرة بسهولة عبر وكلائها من مرفأ بيروت.
ويثير هذا تساؤلات حول ما إذا كان تجميع 2750 طنا من نترات الأمونيوم في عام 2014 خدعة لتقريب المادة من سوريا، وتجنب التدقيق أو العقوبات. وفي حين أنه لا يوجد شك في أن أم.في روسوس كانت في حالة غير صالحة للإبحار، فقد يكون هذا جزءا من الخداع. وإذا كانت الحكومة السورية هي المتلقي، فمن المحتمل أن يكون من الأسهل تهريب الشحنة مباشرة إلى طرطوس أو اللاذقية. وبدلا من ذلك، ربما كان المستفيدون يستغلون الفرصة التي سنحت لهم.
وقال جيمس إنه “بالإضافة إلى الأسئلة المفتوحة المتعلقة بمن استفاد من اختفاء أكثر من ألفي طن من نترات الأمونيوم من المستودع قبل الانفجار، يجب على المرء أن يسأل عن سبب ترك أي منها في المستودع بحلول أغسطس من العام الماضي؟”.
وأفادت مصادر محلية أنه في 2014، أرسل مسؤولو الجمارك ست رسائل إلى القضاة الذين أمروا بترسيب نترات الأمونيوم، يطلبون تعليمات التخلص ويقترحون طرقا لتحقيق ذلك. ولم تسفر أي من هذه الرسائل عن أي إجراء. فهل كان رفض القضاة معاقبة التصرف الآمن في المبالغ المتبقية مرتبطا بالمكاسب التي يحققها الذين يسرقون المواد، سواء كان المستخدمون النهائيون هم تجار ومزارعون، أو الحكومة السورية؟
واستنتج جيمس بأنه “كما هو الحال غالبا في القضايا السياسية الأشهر، قد لا يكون الاهتمام الرئيسي في هذه الحالة هو الإجابات على هذه الأسئلة المفتوحة، ولكن أكثر ممن يحاول عرقلة مساعي القاضي بيطار الدؤوبة لحلها. حيث يبقى ما تسعى هذه الأطراف إلى إخفائه أو تحقيقه من خلال التعتيم على عملية المراجعة القضائية غير واضح، لكن من المشكوك فيه أن أي فائدة ستفوق الضرر الذي يلحق برفاهية الأمة”.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :