تل أبيب تُسقط وساطة هوكشتين؟

تل أبيب تُسقط وساطة هوكشتين؟

 

Telegram

 

من كان يعوّل على حلّ ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية ضمن مساحة الـ860 كيلومتراً مربعاً، نقول له "تخبز بالأفراح"..!

لم تنفع كلّ التنازلات التي تقدّم بها الساسة اللبنانيون مجاناً، ومن بينها التخلّي الرسمي عن الخط 29 الذي يمنح لبنان ما يفوق الـ1430 كيلومتراً مربعاً إضافية، تقع إلى الجنوب من الخط 23 مقابل اعتماد هذا الأخير الذي يحصر الرقعة بـ860 كيلومتراً فقط في وأد الأطماع الإسرائيلية في البحر. ها هي تل أبيب، وتحت أنظار الوسيط الأميركي، في ملف الترسيم عاموس هوكشتين، والأمم المتحدة ومجلس الأمن الذي زحف أمينه العام إلى بيروت طلباً لمزيد من التنازلات، تتمدّد إلى الرقعة التي يقول السياسيون اللبنانيون بأنها حقّ للبنان لتفرض رأيها فيها.

 

ما جرى خلال الأيام الماضية، يستحقّ أن يتمّ تجميد البحث في ملف الحدود البحرية بسببه. يستحقّ إبلاغ هوكشتين، الذي يمارس سطوته وصحبه في السفارة بأريحيّة، ويبتزّ من يرغب تحت عنوان "تأمين موقفٍ موحّد حيال ملف ترسيم الحدود"، أنه شخص "غير مرغوب به"، وأن يعفي نفسه ويعفينا من مشقّة النقاش في المسألة، ما دام يُمارس منطق "السّبع في بيروت والأرنب في تل أبيب". في دولٍ ذات السيادة أو تلك التي تحترم سيادتها على الأقلّ، لا يأخذ معها تحديد موقفها من مسألةٍ سيادية أضرّت بها، أكثر من ساعات معدودة! لقد مرّت في بيروت أكثر من 72 ساعة على طلب العدو الإسرائيلي من الأمم المتحدة، التدخّل لتجميد قرار استكمال الحكومة اللبنانية دورة التراخيص الثانية في المياه البحرية اللبنانية، دون أن يحرّك أحد ساكناً. التصرف المستغرب والذي يحمل في طيّاته دلالات ويفتح أفقاً ونوافذ وأقواس، أن أحداً لم يطرح القضية على الإعلام أو يومئ تجاهها بكلمة، وكأن شيئاً لم يكن.

ما جرى يمكن تلخيصه على الشكل التالي: أواخر الشهر الماضي، وقّع وزير الطاقة وليد فياض، قراراً يقضي باستكمال دورة التراخيص الثانية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية، أي الدورة ذاتها التي أدى انتشار وباء كورونا إلى توقف العمل بها. وتشمل الدورة منطقة الـ860 كلم التي تقع بين الخطين 1 و 23 وتضم أجزاءً من حقول 8 و 9 اللبنانيين. نحن نتحدث هنا عن الخطّ 23 الذي جزم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب، وصحبهما في السياسة، أنه الخطّ اللبناني الرسمي الذي يجدر اعتماده، كمنطلقٍ ثابتٍ في مفاوضات الترسيم المقبلة برعاية "عاموس"، وهو الخطّ ذاته المودع لدى الأمم المتحدة على أنه سقف الحدود اللبنانية الرسمية عبر المرسوم 6433 تاريخ 2011. ماذا فعلت تل أبيب؟ يوم الأحد الماضي، تقدّم مندوبها لدى الأمم المتحدة برسالة اعتراض ندّد خلالها بالقرار اللبناني، وقال في رسالته أن لبنان أصدر قراراً بمنح تراخيص ضمن المنطقة المتنازع عليها، مبيّناً أن "تل أبيب تؤكد على حقوقها السيادية في الولاية القضائية وفق القانون الدولي"، طالباً من الأمم المتحدة، التحرّك العاجل لوقف قرار الترخيص.

إذاً نحن عملياً أمام ماذا؟

أولاً، عدم إقرار العدو الإسرائيلي في سيادة لبنان على الخطّ 23، أي الخطّ نفسه، الذي تراجع أفراد الطبقة إليه، متخلّين بالتالي عن أكثر من 1430 كيلومتراً مربعاً، تتمثّل في الخط 29 لمصلحة الإسرائيلي وبشكل مجاني.

ثانياً، تقدّم اللبنانيون باعترافٍ آخر مجاني بأنهم يلتزمون الخط 23، وهذا تنازل. في المقابل، يرفض الجانب الإسرائيلي التنازل متراً واحداً إلى الوراء، لا بل يعتبر أن يحظى بحصّة ضمن منطقة الـ860 كلم2، والتي طرح المندوب الأميركي فريدريك هوف سابقاً، تقسيمها بين لبنان والعدو على أساس 60% مقابل 40% وهو ما تسبّب بخلق مشكلة إضافية.

ثالثاً، يكون التنازل اللبناني قد ذهب أدراج الرياح، أي التنازل الذي طلبه هوكشتين من أجل إنجاح مهمته و"كمبادرة حسن نية" والذي يدّعي الأخير أنه يمتلك القدرة على إلزام إسرائيل منحه للبنان كاملاً.

رابعاً، نحن أمام ضربٍ واضح لمسعى هوكشتين من قبل تل أبيب. هذه أبلغ رسالة إلى الوسيط الأميركي بأنهم يرفضون التراجع عن الخط 23، وهذا إنما يجب أن يكون سبباً في إنهاء ونسف وساطة هوكشتين من أساسها، أي الوساطة التي يتمسّك اللبنانيون بها، فيما الإسرائيليون يعتبرونها مجرد مناورة وتقطيع وقتٍ لإدخال مزيدٍ من المماطلة على الملف.
عملياً، ما يجري الآن كان محسوباً أو متوقعاً. حين جرى تجميد المفاوضات غير المباشرة في الناقورة، أتى ذلك بسبب قوة الفريق اللبناني التقني المفاوض وعلى حساب لبنان، وعدم قدرة الجانب الإسرائيلي على مجاراته. حينها، اتُخذ القرار باستبدال المفاوضات بمماطلة مدعومة بمدٍّ سياسي باتجاه السياسيين اللبنانيين، على شكل ابتزاز وضغط لتحصيل مكاسب وهذا ما حصل.

ومن الواضح أن الجانب الإسرائيلي ومعه الأميركي، ليسوا في وارد العودة إلى المفاوضات، بدليل ما يحصل اليوم وانكشاف الموقف الإسرائيلي الحقيقي ومن خلفه "باعة الأوهام" على المقلب اللبناني. البديل بالنسبة إليهم، المزيد من تعميق الأزمة على المستوى اللبناني وانتظار تنازلات إضافية تنزلق باتجاههم بالجملة.

لذلك نقول، أنه لغاية تاريخه، لا زال العدو الإسرائيلي يطالب بالحدّ الأقصى غير القانوني وغير المنطقي لحدوده البحرية مع لبنان أي بالخطّ 1، أمّا السياسيون في لبنان، يتنازلون مجاناً وبدون أي مقابل عن الخطّ التقني والقانوني للحدود البحرية الجنوبية أي عن الخطّ 29، على الرغم من وجود كافة الوثائق التي تُثبت أحقّية مطالبة لبنان القانونية بهذا الخطّ، والتي أودعها إياهم خطياً الوفد العسكري التقني المفاوض. وهذا التنازل المسيئ يجعل من الإسرائيلي في وضعٍ مريح، ما يدفعه إلى الإستمرار في العمل بحقل كاريش، وعدم العودة إلى المفاوضات وإبقاء النزاع داخل ال 860 كلم مربعاً، وحرمان لبنان وشركة توتال من التنقيب عن النفط والغاز في حقل قانا الحدودي. فهناك مخططٌ واضح المعالم يتمثّل أولاً بالقضاء على العمل المحترف الذي قام به الوفد المفاوض، ومن ثم إضاعة الوقت من خلال ما يُسمّى بالجولات المكوكية التي يقوم بها عاموس هوكشتين، وأخيراً بتثبيت المنطقة المتنازع عليها داخل ال 860 كلم مربعاً، من خلال الرسائل التي يبعث بها الإسرائيلي إلى الأمم المتحدة على مرأى ومسمع وعدم تحرك وزارة الخارجية.

إذاً، من كان يُراهن على إجراء مقايضة بين حقلي "قانا" و "كاريش" برعاية أميركية نقول له "صحتين"، ومن يعتبر أن الـ 860 "إلو بالتبني"، لا بدّ أن يقال له "كل عام وأنت بخير". لقد بدّد هؤلاء الساسة الأحلام اللبنانية، ومستمرون، وبسبب تصرفاتهم، أصبحت حتى رقعة الـ860 مستباحة، بشهادة تواطؤ الجميع إمّا مشاركةً أو صمتاً.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram