يرزح الحزب السوري القومي الاجتماعي منذ عدة سنوات، تحت سلسلة أزمات بنيويةو تنظيمية
ودستورية. وقد تفاقمت هذه الأزمات في الآونة الأخيرة، وصعدت على السطح، في عدة مقالات صدرت
في الصحف، كما في سلسلة بيانات أصدرتها " المعارضة الداخلية". ويقف السوريون القوميون
الإجتماعيون حيال هذه الأزمات الموقف المسؤول في حزب، شاء مؤسسه أن يقوم على التعاقد الإفرادي،
مما يعطي العضو حقوقا" مساوية لأعلى مسؤول في الحزب .
هذه العضوية، التي شاء المؤسس ، أن ترتقي إلى المستوى التي يؤهل صاحبها أن يتحمل المسؤولية
الكاملة عن الحزب الذي يوّلد النهضة في الأمة. كما يتحمل كامل المسؤولية عن كل آوضاع الأمة والوطن
السوريين .
والمواطن الذي ينتمي لهكذا حزب، تبدأ شخصيته بالتبلور والإفتراق عن بقية المواطنين. ويتصاعد ألق
العضوية لديه بخروجه من دوائر التبعية لأشخاص، أو جماعات، أو تكتلات آنست البقاء في "حبوس"
سجنوا فيها أنفسهم إلى أن يتسنى لهم الخروج منها بعد إفتراقهم عن الإنغلاق المذهبي والأثني، كماعن
أهل الفساد من العباد .
والحقيقة، إن مؤسس الحزب، وهو الذي إستغرق ف ي دراسة أحوال شعبه الإجتماعية، عاملاُ لإنقاذه من
براثن النزعة الفرديه، أو الإرتهان للأجنبي. و لطالما عمد المؤسس لفصل آو طرد كل عضو تظهر عليه
ملامح النزعة الفردية مهما علا شأنه سواء في الحزب أو في المجتمع .
رسّخ مؤسس النهضة في نفوس الأعضاء مفهوم العضوية التي تعني فيما تعنيه، الانعتاق التام من كل
التبعيات، والقبليات، والاثنيات، وكل المفاسد الإجتماعية. عاملاُ لرفع العضو إلى مستوى المسؤولية العليا
عن حال الوطن وحال الأمة .
" .... وأصبحنا أمة بعد أن كنا قطعانا بشرية، وغدونا دولة تقوم على أربع دعائم: الحرية، الواجب،
النظام، القوة.... منذ تلك الساعة نقضنا بالفعل حكم التاريخ وابتدأنا تاريخنا الصحيح.... تاريخ الأمة
السورية الحقيقي.... إن الغرض الذي أُنشئ له هذا الحزب غرض أسمى، هو جعل الأمة السورية هي
صاحبة السيادة على نفسها ووطنها..... اننا قد ترابطنا في هذا الحزب لأجل عمل خطير جداً هو إنشاء
دولتنا وليكون كل واحد منا عضو دولته المستقلة.)الخطاب المنهاجي(.
وضع سعاده على أعضاء حزبه، مسؤولية إقامة الدولة السورية العتيدة عاملاً لتأهيلهم لهذه المسؤولية
الخطيرة في ظروف الأمة الصعبة. والدروس المستقاة من قدوته، ووقفته البطولية التي عزّ نظيرها في
قادة العالم خير مثال. وكان ان توانى القوميون، عن هذا المستوى العالي من العضوية، فعاد زعيم الحركة
لتذكيرهم بُعيد عودته إلى الوطن من إغترابه القسري :
" والظاهر ان الحزب قَبِل انتشار "الواقع اللبناني" بحكم النظام فقط لأنني وجدت ان مجموع القوميين
الإجتماعيين لم يتقيدوا بفكر واحد من هذه الأفكار. ولكن قبول هذا الخروج العقدي، وإن يكن في الظاهر
فقط، يكون مسألة من المسائل الخطيرة . "
هذا الكلام الدقيق والواضح، لزعيم الحركة، يوضح إن القوميين لم يقبلوا بهذا الإنحراف ولكنهم لم
يواجهوه بسلاح " التعاقد" مع الزعامة القومية .
والحقيقة، ان الإدارة الحزبية المنحرفة خلال فترة غياب سعاده القسري، قد اقترفت العديد من المفاسد
والانحرافات، بقي قسم منها خافيا على القوميين : إلغاء الزعامة، والمبادئ الأساسية، والمبدأ الإصلاحي
الخامس. ورتبة الأمانة لصالح رخصة للحزب تؤمن لها حظوة في السياسة المحلية ووعد بكرسي نيابي .
وكانت هذه الإدارة، قد قيدت نفسها باتفاقات سياسية محلية وأجنبية. مما استدعى أسد الأشقر لطرحه عند
لقاء الزعيم في القاهرة فكرة خضوع قرارات الزعامة للمجلس الأعلى. ثم أعلن انها "مجرد فكرة
عرضها" بعد رفض الزعيم لها. كما طرح عليه ثابت والأشقر القبول بالتعديلات التي أُستحدثت ظنا منهما
وإن بعض الظن إثم ان سعاده سيرضخ ويقبل بها لكنهما خسئا - - .
وكانت الجلسة العاصفة في 4 نيسان 1947 ، حيث حل الزعيم المجلس الأعلى "غير الدستوري" و
المنحرف والمكتب السياسي، في موقف يؤكد على تصميم الزعيم على كل ما سبق وشرعه من عقيدة
ونظام ونهج، غير آبه بمواقع المنحرفين السياسية والإجتماعية . وقف سعاده اتجاه هذه الموجة الإنحرافية والفاسدة وحيدا، لم يقف معه أحد من "المركزيين" كما يشير في
رسالته إلى صديقه رفيق الحلبي في 22.6.1947.
لقد انتظرت الإدارة الحزبية التي حكمت الحزب منذ العام ) 1938 _ 1947 ( وأجرت سلسلة التعديلات
المناقصة للعقيدة والنظام القوميين الإجتماعيين، أن يرضخ سعاده لتبريراتها، باعتبارها "محصنة"
بتسليف الزعيم لها صلاحيات تنفيذية وتشريعية خلال فترة غيابه. لكن سعاده تابع إجراءاته فطرد
المنحرفين خونة العقيدة والنظام، وأكمل معركته المعلنة في افتتاح الندوة الثقافية عام 1948 في مواجهة
الانحراف والفساد، موضحا ان نظامنا هو نظام الفكر والنهج ونظام المؤسسات التي تحقق الفكر والنه ج .
ويتخذ السوريون القوميون الإجتماعيون، من موقف سعاده من إدارة الحزب المنحرفة والفاسدة عام
1947 مثالا ونموذجا راقيا لمواجهة كل المفاسد والإنحرافات العقدية والنظامية والإرتهانات السياسة
المحلية والكيانية للإدارة الحالية. ويعملون لوحدة الموقف لتطهير الحزب من كل المفاسد والإنحرافات
لشق الطريق لتحيا سورية . إن وضع الحزب اليوم، يكاد يكون مشابها لوضعه عام 1947 . والحقيقة، إن ما جرى ويجري منذ غياب
سعاده عام 1947 من مفاسد حزبية، هو بسبب غياب السلطة القضائية. هذه السلطة التي بوجودها يستقيم
نظامنا الدستوري خاصة و الحزب عامة. وكان سعاده قد وضع مرسوما للمحكمة المركزية عام 1949
لم يُعمل به لتاريخه .
ومنذ ذلك التاريخ، شرع المجلس الأعلى عدة محاكم وفق الظرو ف أو الضرورة أو ما شابه في ظل
إهمال كلي لمرسوم المحكمة المركزية للزعيم. أو للتشريع لمجلس دستوري لمراقبة دستورية القوانين.
وتباعا لهذا الشأن لم تشرع المجالس العليا للحزب منذ العام 1949 ولتاريخه، لأي مشروع حيوي تُشعر
القوميين إنهم في دولة _الحزب. ففي رسالته لأدويك شيبوب، يكتب سعاده) 17 ديسمبر 1937 ( : عن إن
العرس سيكون مدنيا ويسجل زواجهما في “سجلات الدولة السورية القومية. “ وفي مقالته "اليمين"
( 1.9.43 ( كتب سعاده :"... ففي الحزب السوري القومي الإجتماعي شرع يضمن لكل فرد حقه كفرد في
النظام والعمل والرأي، ولكل فرد يحسب نفسه مظلوما في أمر أن يطلب المحاكمة العلنية إذا لم تجرِ
محاكمة علنية لأغلاطه. فيكون أمينا على أن قضيته لا يبت فيها بالخفاء بطرق لا يقرها المجموع ."
لتاريخه تجري المحاكمات ضمن" الغرف المغلقة"؟ لا محاكمة علنية تُعطي مثالاً رائعا للعدل الذي ينشده
الحزب السوري القومي الاجتماعي .
لذلك، لم نشهد طوال تاريخ الحزب، بعد سعاده، تشريعا يجاري فكرة الحزب_ الدولة، وكل ما كان يجري
عبارة عن مناكفات شخصية، وتوزيع حصص ومحسوبيات على الأتباع... وقد برز هذا الأمر بشكل فاقع
في السنوات الأخيرة. في ظل غياب تام عن كل الشؤون الشعبية والقومية .
فقد آُهملت المشاركة في الحراك الشعبي في لبنان منذ 17 تشرين أول 2019 وتُرك لقمة سائغة للقوى
المذهبية سواء في لبنان أو في باقي كيانات الأمة )العراق، الأردن( . هذا الغياب الذي تمثل غيابا عن
مسرح الحياة الشعبية على إمتداد الوطن السوري . كما إن إدانة القوميين الإجتماعيين لسياسيي لبنان من جراء جرح بيروت) المرفأ(, تلحق هذه الإدانة
الأذية الوطنية بسياسيي الحزب أيضا تجاه ما اقترفوه من خضوع تام لفساد الفئة الحاكمة في لبنان - -
وبقية الكيانات... كل ذلك حفاظا على مقعد نيابي، فكان تأييدهم لكل "طربوش" يسميه الطائفي المتعاطف
مع الأجنبي . ومتابعةً لما سبق لا حاجة لتكرار الحديث عن تحريفات وانحرافات ومخالفات عقدية ودستورية بعد غياب
سعاده. ولا إلى تعداد أسباب تقديم إستقالات عدد من أعضاء المجلس الأعلى الأخير منذ عدة أشهر دون
أن تتلى في جلساته اللاحقة للحفاظ على التوازن العددي لأعضاء المجلس.! ولا إلى معاكسة رؤساء
الحزب في صلاحياتهم المنصوص عليها في الدستور. ويكفي أن نذكر انه في خلال فترة رئاسية واحدة
( 4 سنوات( تناوب على سدة رئاسة الحزب خمسة رؤساء؟! كان أولها محاولة لتمديد فترة رئاسة للمرة
الثالثة خلافا للدستور . فألغت المحكمة قرار المجلس الأعلى بالموافقة على التمديد، فكان جزاء أعضاؤها
الإقالة من مسؤولياتهم...بعد جلسة "توبيخ" في المجلس الأعلى على فعلتهم "الشنيعة "... وجريا على هذه الحال، يتابع "ما تبقى من أعضاء المجلس الأعلى" إصدار قرارات لعقد المؤتمر القومي
الإجتماعي في ظل ظروف قومية وعالمية بالغة الخطورة وانتشار فيروس "الكورونا". وبعد تأجيله من
شهر حزيران إلى آب فألى 13 أيلول الجاري. كانت المهزلة الدالة على" عبقرية" في التشريع
والدستور... بأن جرى فصل المؤتمر الدراسي عن عملية الانتخاب لأعضاء المجلس الأعلى وفقا للقوانين
"الخرقاء " التي فُصلت على قياس أصحاب المصالح. وجرى تأجيل انعقاد المؤتمر إلى أيار 2021 لعدم
"أهميته" الآن في ظل "الظروف الإستثنائية والقاهرة التي تمر بها الأمة السورية والعالم أجمع وحفاظا على مصالح الحزب العليا". كما جاء في القانون رقم 5 / 88 تاريخ 1.9.2020 . الصادر عن المجلس
الأعلى! ؟
والحقيقة انه جرى تأجيل المؤتمر لإزاحة رئيسه المنتخب من قبل القوميين والغير مُرضٍ عنه من قبل" ما
تبقى من أعضاء المجلس الأعلى " ،والذي ) رئيس المؤتمر( كان قد طالب" المجلس الأعلى " بتأجيل
انعقاده، كما طالبت فروع عبر الحدود والكيانات السورية بتأجيله بسبب ظروف إنتشار جائحة كورونا.
إضافة لأهمية انعقاد مؤتمر دراسي اختصاصي في ظروف بلادنا والعالم بعد جائحة فيروس كورونا. مما
يدعو للقول، إن عملية إنتخاب أعضاء المجلس الأعلى فقط هي بمثابة عملية إغتصاب لحقوق القوميين
الإجتماعيين وهي ليست الأولى في تاريخهم الفاسد . كل ذلك، يوضح أسباب عملية التسرع لاجراء الانتخابات لعضوية المجلس الأعلى ليتسن ى
لاصحاب المصالح الفاسدة الاستمرار في التسلط على إدارة الحزب، و بالتالي تغييب دور الحزب في
"الظروف الاستثنائية والقاهرة التي تمر بها الأمة السورية ". مع العلم، ان سعاده ليس مع المؤتمرات "الجماهيرية" بل المؤتمرات المتخصصة التي يشارك فيها
أصحاب الاختصاص والكفاءة و الخبرة والنضال القومي الاجتماعي .. وتطبيق الديمقراطية التعبيرية في
العملية الانتخابية التي تنقذ سورية والبشرية من مفاسد الديمقراطية التمثيلية )مسرحية العملية الانتخابي ة ( ,
في ظل ظروف أمتنا الصعبة، وظروف العالم اجمع الذي يتلظى من حمم الديمقراطية الغربية البائسة لا
سيما في اوروبة، و كنا قد شهدنا في بعض دولها قبل انتشار جائحة كورونا العديد من التظاهرات الشعبية
المطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية والحياتية عامة. وهي تسير اليوم في ركاب سياسة
تدميرية للمجتمعات الحضاريةالتي ساعدت في نهضتها
كما لم أقف عند حدود عدد اعضاء المجلس الأعلى في كل جلسة يتخذ فيها قرارات متسرعة و مخالفة،
وعند تجاوز "ما تبقى من أعضاء المجلس الأعلى" للنصوص الدستورية المتعلقة بمؤسسة "المؤتمر
العام", واتخاذ قرار مخالف أيضا بفسخ المؤتمرعن عملية الانتخاب لاستبعاد رئيس المؤتمر" المعارض"
في تعد صارخ على صلاحياته المنصوص عنها في الدستور .. وكان ان أجريت انتخابات أعضاء المجلس القومي، و قدمت على أثرها طعون عديدة لم تبت بها المحكمة
بعد؟! فكيف سيشارك المطعون في عضويته في عملية انتخاب أعضاء المجلس الأعلى. مما يسمح بالقول
ان مجمل هذه العملية الانتخابية مطعون فيها ! وجريا على كل ما أوردناه، يمكن القول إن "ما تبقى من أعضاء المجلس الأعلى" يختصر صلاحيات كل
المؤسسات الحزبية في الدعوة لإنعقاد المجلس القومي و إجراء العملية الإنتخابية و تأجيل المؤتمر
الدراسي العام!؟
ونرى في هذا المجال، ان المسألة تتعدى "شرعية" مؤسسات إلى مسألة رهن الحزب للمصالح الخاصة،
وأن عملية إصدار القوانين وإلباسها لبوس الشرعية بمجرد صدورها عن المجلس الأعلى، أية خرافة هي
"سمو تشريعات" مخالفة لفكر سعاده و نهجه و أخلاق النهضة !
إن السوريين القوميين الإجتماعيين، المقتدين بزعيم نهضتهم لجهة مكافحة الفساد والفاسدين، والإنحراف
والمنحرفين يتخذون من مواقف زعيمهم عام 1947 في مواجهته لكل الإدارة الحزبية المنحرفة والفاسدة
مثالاً ودرسا لهم للحفاظ على حزبهم الذي يعتبرونه المنقذ الوحيد لسورية. إن يقظة القوميين الإجتماعيين
لحقوقهم وواجباتهم يسقط "شرعية" "قرارات" و "قوانين" تصدر عن مؤسسات فاسدة تخلت عن كل ما
يربطها بحزب سعاده. فما عاد القوميون يماشون هكذا " قرارات" و"قوانين": "بحكم النظام"، ويقبلون
بالخنوع لقرارات وقوانين غريبة عن التشريعات والأخلاقيات التي جهد سعاده لزرعها في نفوسهم. كما
أن كرامتهم لا تسمح لهم بالتطبيع مع الفساد في مؤسساتهم ، فهم ليسوا أعضاء في قبيلة خاضعة لإدارة "
بما تبقى من مجلس قبلي"! بل أعضاء في حزب يرفع النفوس إلى السماء بزوبعة حمراء ! .
طه غدار
نسخ الرابط :