بعد اسبوعين، نهاية هذا الشهر، ينقضي العقد العادي الثاني لمجلس النواب من دون ان يسبقه، الى الآن على الاقل، استعداد لفتح عقد استثنائي في السنة الجديدة، تمهيداً لاتصاله بالعقد العادي الاول في منتصف آذار
ما لم يصر الى ملء الفراغ الناجم عن انتهاء العقد العادي الثاني، فان الافتراض المعقول ان مجلس النواب يكون قد ختم باكراً ولاية السنوات الاربع. في 21 ايار المقبل، تنتهي الولاية القانونية التي يسبقها اجراء انتخابات نيابية عامة في مدة الشهرين اللذين يسبقان هذا الموعد. الى الآن، الى ان يقول المجلس الدستوري كلمته في مراجعة الطعن في قانون الانتخاب، فإن احداً لا يسعه التكهن بموعد الانتخابات النيابية: في 27 آذار تبعاً للتوصية التي اقرنها مجلس النواب في 19 تشرين الاول بتصويته الثاني على قانون الانتخاب، أم ما بين 8 و15 ايار بحسب ما اعلن رئيس الجمهورية ميشال عون في وقت سابق، بأن ربط توقيعه مرسوم دعوة الهيئات الناخبة بتحديد احد هذين التاريخين للاقتراع ليس الا.
بذلك بَانَ واضحاً ان السلطتين الاشتراعية والاجرائية اضحيتا اسيرتي الاشتباك الدائر علناً بين عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي. كلاهما لا يخفيانه، بيد انهما لا يسعّرانه جهاراً. في يد كل منهما كرة يُصوِّب بها على الآخر، من دون ان يصيبه مباشرة.
اظهر الرئيسان المحترفان مقدرة كل منهما على امتلاك مفتاح احدى هاتين السلطتين: اضعف اصرار برّي على اعادة اقرار قانون الانتخاب بالصيغة التي صار الى التصويت عليها في المرة الاولى صلاحية رئيس الجمهورية في المادة 57 بردّ القانون، وأوحى بأنه قادر على السيطرة على قرار البرلمان، فردّ عون بتعليق دعوة الهيئات الناخبة واشتراطه موعده هو للاقتراع. خلاف الرئيسين على موعدي آذار او ايار ليس سوى رأس جبل الجليد الذي بدأ منذ 16 تشرين الاول 2016. مذذاك، ما خلا استثناءات بيّنا خلالها تجاوزهما خلافاتهما في لقاءاتهما القليلة او مكالماتهما الهاتفية، افصحا عن القابين المتنافرين اللذين لا يجمع بينهما، ولا سيجمع، خيط القوس.
الى ان يقول المجلس الدستوري كلمته في مراجعة الطعن، وهو ليس معنياً بالتعليق او ابداء الرأي في الموعد المختلف عليه لاجراء الانتخابات، وليس من شأن قراره تبريد الخلافات المخضرمة والمزمنة بين الرئيسين، يبدو جلياً ان المرحلة المقبلة على وشك الدخول في استحقاق من طراز جديد: تعطيل مجلس النواب بعد تعطيل مجلس الوزراء. بينما يصرّ الثنائي الشيعي ورأس حربته رئيس البرلمان على ان لا عودة لوزرائه الى جلسات مجلس الوزراء، ما يُستنتج ان لا جلسات للمجلس، ما لم يُصر الى كف يد المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار، يمسك رئيس الجمهورية بالطرف الآخر من الخيط المشدود بين الرجلين: لا عقد استثنائياً يجتمع فيه مجلس النواب في الاشهر الثلاثة الاولى من السنة الجديدة، عملاً بالصلاحية المنوطة به في المادة 33 من الدستور، كي تستوي اذذاك المؤسستان الدستوريتان بالشلل الكامل. واحدة بواحدة.
بالتأكيد صلاحية رئيس الجمهورية هذه، مطلقة في الشق المتصل باتفاقه مع رئيس الحكومة على اصدار مرسوم العقد الاستثنائي. من دون اي منهما لا يصدر المرسوم، وصاحب اختصاص الاحالة هو صاحب اختصاص الاصدار اي رئيس الجمهورية. في المقابل، للصلاحية هذه في المادة 33 شق ملزم ومقيِّد لرئيس الدولة احترامه والتزامه، بأن تطلب الغالبية المطلقة النيابية منه فتح عقد استثنائي. اذذاك، لا مناص من ان يفرض هذا الاجراء على رئيس الجمهورية اصدار مرسوم العقد الاستثنائي الذي يُفقده حق الامتناع. هنا تكمن العقدة في الطربوش التي تمنح رئيس الجمهورية حظاً استثنائياً ومنطقاً صائباً، يتيح له رفض استجابة طلب الغالبية المطلقة: اي غالبية نيابية بات عليها مجلس النواب اليوم، بعد تناقص عدد اعضائه 12 نائباً بين مستقيل ومتوف؟
هو النصاب نفسه الذي شهده تناحر كتله في جلسة 19 تشرين الاول الفائت، في الخلاف المندلع يومذاك على نصابه، وكان عدد نوابه 117 نائباً قبل تدنيه الى 116 نائباً. انتقل الخلاف على تفسير النصاب الواجب اعتماده الى المجلس الدستوري في مراجعة الطعن في قانون الانتخاب، بين وجهتي نظر متناقضتين: احداهما قال بها برّي وحلفاؤه وهي احتساب النواب الاحياء، والاخرى نادت بها كتلة رئيس الجمهورية المتمسكة بنصاب الاعضاء الذين يتألف منهم المجلس قانوناً. بذلك، ما لم يقل المجلس الدستوري - اذا قال - كلمته في النصاب ويفسّر عدده واحتسابه، يتعذّر إلزام رئيس الجمهورية استجابة ارادة غالبية نيابية، مطعون في رقمها على الاقل بالنسبة اليه وهو صاحب قرار اصدار مرسوم العقد الاستثنائي.
اما الشق الاول في ما تنيطه المادة 33 بالرئيس، وهو اتفاقه مع رئيس الحكومة على اصدار مرسوم عقد استثنائي للبرلمان، يُفترض - على جاري السوابق - بدؤه في اليوم الاول من السنة الجديدة واختتامه في اليوم السابق لافتتاح العقد العادي الاول في 15 آذار 2022، فمن غير المعلوم حتى الآن على الاقل ان عون سيصدره. تحقق ذلك مفاده ان يسبح مجلس النواب، بعد مجلس الوزراء، في الفراغ المعتاد في الاصل.
هكذا تكتمل لعبة عضّ الاصابع التي تطول ولا تنتهي بمَن يقتضي ان يصرخ اولاً. لا احد يصرخ. كذلك من اليوم الاول من الولاية الى يومها الاخير.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :