صندوقة الانقاذ المالي فارغة ، ولا يوجد من يضع فلسا ، وإذا تحمسّ احدهم وأبدى استعدادا لوضع فلسا ،أشترط بما لا يستطيع أن يتحمله البلد ، ومن أهم الشروط إفقار الناس ، فالصناديق المالية التي تُعطي القروض بشروطها السهلة ومن ثم الصعبة عندما يصبح البلد على بوابة مستشفى العجزة ، وعصفورية المجانين ، أشبه بالرأسمال الذي لا يهمه الانسان ، بل يهمه ضمانة رأسماله، وإذا تبرع فيهمه تنفيذ الخطط السياسية التي ترسمها الدول القوية الداعمة لهذه الصناديق ، وآخر همومها أوضاع الناس .
أما أثرياء البلد فلهم حكاية مختلفة ، فلا يكفي أنهم أخرجوا أموالهم خارج البلاد ، ولا يكفي أنها راكمت ثرواتها من سرقات لقمة عيش الناس زمن البحبوحة المزعومة ،بل أنها سعت لزيادة عدد صناديق أموالها واقتناص كل فرصة كسب ونحن نهوي نحو الوادي .
مليارات الاغنياء من الأوراق الخضراء ،كفيلة بملء صندوق الإنقاذ المالي ، وإبعاد كأس القروض والمساعدات عن البلد . فهذه الصناديق ليست ليوم الضيق ، بل هي ليوم الؤبح في معارك المصالح .
أثبتت الأحداث المالية التي وضعت المواطن اللبناني العادي تحت خط الفقر، أنه لا يوجد في مفكرة الأغنياء اللبنانيين الإحساس الوطني أو الشعور الانساني ، وبلغت وقاحة الشحادة وتدني الروح الوطنية أن تسعى قيادة الجيش اللبناني وبالتفاهم مع السلطات اللبنانية مد يد الشحادة للدول الأجنبية لتأمين مساعدات عينية ومالية للجيش اللبناني .
ويأتي من يخبرك من رجال السلطة ومفكري اللبننة عن السيادة الوطنية والحياد الوطني .
ألكرام في لبنان أقلّ من قليل ، وإذا وجدناهم فكرمهم لا يكون للوطن والبلاد بل الى الطوائف والمذاهب وأحزابها ، فلبنان الكيان بالنسبة اليهم هو محطة وليس مكان استقرار ، فمنهم من يتعجّل ظهور المنتظر ومنهم من ينتظر عودة إبن الله ومنهم من يحلم بمرقد أمير على تخوم أوطان الأمراء ومنهم من يحلم بغرفة من غُرف ناطحات السحاب .
تيتم لبنان يوم انشلع عن حضن أمه وارتمى في حضن لم يتخذه ولدا له ،بل اعتبره مولودا لقيطا يتعاطى معه على قياس مصالحه السياسية والاقتصادية ويُرضعه حليبا يسد بعض جوعه .
وحدنا لم نتعلم من تجارب قرن ، وحدنا لم نتعلم من قصة العجوز وأولاده الثلاثة والكنز الكبير ، وحدنا لم نتعلم من الناطور الذي رفض تسليم بندقيته للطامعين لقاء ثلاثين من فضة فحمى حقول الضيعة من حرامية الليل .
نعيش اللوحة ذاتها منذ قرن ، يقتلنا الخصوم والأصدقاء ويُحيون موتانا ساعة تُصبح ساعة حياتنا بين أصابعهم .
نذهب الى الجحيم كما تذهب الماشية الى سكاكين الجزّارين ، نذهب الى الجحيم وفلس إنقاذنا في جيوبنا ، فنخسره ونرفض استعماله ونلجأ الى طلب الحسنات .
أخبرني المرحوم الرفيق صبحي سماحة خبرية تنطبق على حالنا :
واحد من الشحادين أنعمت عليه المهنة ،فبنى بناية كبيرة ، واهتمت زوجته بتعليم أولاده فنالوا شهادات، وأصبحوا طبيبا، ومهندسا ، ورجل أعمال ، فطلبوا من والدهم التوقف عن الشحاده ، فكان يغافلهم ويذهب الى ممارسة مهنته ، الى أن جاءت الحرب ودمّرت البناية ، وترك الأولاد البلد وهاجروا الى بلاد الله الواسعة .
وغادر الوالد مع أولاده وبقلبه غصّة وعلى وجنتيه انطبع وشم الحزن .
امتهن لبنان الشحادة التي أشبعت البطن لكنها لم تُشبعّ النفس ، لذلك رأيناه على خشبة الأعدام وحبل المشنقة يلتفّ على رقبته ، قد يجد من يفك حبل المشنقة لكنه لن يجد من يُنزله عن خشبة الإعدام سوى القوى الكامنه في أبنائه والعودة الى حضن ولادته الطبيعي فيتخلّص من اليُتم .
لم تعد تملك الأرملة فلسا ، لتضعه في صندوق الخلاص المالي ،ولم يعد يملك صاحب المليارت حسّا وطنيا وقوميا يدفعه لوضع الملايين في الصندوق، حتى أنه أصبح عاجزا عن لملمة أشلاء ملياراته .
نعتذر من السيد المسيح ونقول له :
لقد أفلسنا فالأرملة باعت كنبة المطبخ لتشتري العدس، وباعت الحصيرة لتشتري الخبز والفلس صار حلما تحاول أن تدركه قبل أن تتمتهن مهنة الشحادة وتدور في الشوارع ،وتدق أبواب البيوت طالبة حسنة لتشتري لقمة الخبز ، أما ملايين الأغنياء فقد حرّمها العم سام على أصحابها .
عذرا أيها السيد المسيح لم تعد صالحة في ديارنا أُمثولة : فلسا الأرملة وملايين الأغنياء .
عذرا أيها السيد المسيح ، حتى مليارات الرهبان والقساسين لم تعد للفقراء ولم تعد للوطن والبلاد ، أصبحت لشهوات رجال الدين الذين ما أشبعتهم لقمة الخبز ولم تشبعهم صكوك الغفران ولن تُشبعهم مليارات السياسيين ومشاريع الإنتاج ، ومردودات الأملاك العقارية .
ولنا حديث آخر عن "عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة "
سامي سماحة
نسخ الرابط :