روسيا تدعم الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بشكل غير مباشر

روسيا تدعم الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بشكل غير مباشر

 

Telegram

 

تبنت روسيا خلال السنوات العشر الماضية سياسات خارجية لم تدعم بقوة حركات التحرر في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتزمت بالوقوف إلى جانب حلفائها القدامى تخوفا من ظهور تيارات إسلامية متشددة وانسياق بعض الدول إلى حروب أهلية لا تزال فعلا متواصلة إلى اليوم. وبعد أن اقتنعت الولايات المتحدة لسنوات بأن مواقف منافستها القوية سلبية ولا تخدم مصالحهما في المنطقة صارت اليوم تدرك أن لروسيا تصورات تجنّبها التورط في حركات تحررية معقدة وهي في الواقع مواقف تخدم مصلحة واشنطن أيضا.

 تنتشر رواية عامة في الولايات المتحدة ومعظم أوروبا مفادها أن روسيا هي قوة “اشتراكية مُراجِعة”، وتسعى لقلب الوضع الراهن وتحدي “النظام القائم على القواعد” والعمل بشكل عام “كمفسد” في الشؤون الدولية وفي أراضي الاتحاد السوفييتي السابق.

ويقول المحلل البريطاني أناتول ليفسين في تقرير لمجلة "فورين بوليسي" الأميركية "توجد حقيقة في هذه التصورات. ومع ذلك يوجد في الشرق الأوسط الكبير شيء غريب بشكل خطير حول هذه الصورة للسلوك الروسي؛ ففي هذه المنطقة، وعلى مدار العشرين سنة الماضية، كانت الولايات المتحدة في الواقع هي التي عملت على تعطيل الوضع الراهن، وقد أثبتت المعارضة الروسية لسياسات الولايات المتحدة بشأن القضايا الرئيسية في وقت لاحق أنها صحيحة من وجهة نظر روسيا والمنطقة والولايات المتحدة والغرب أيضا".

لا مجال للصدف

صُمّمت السياسات الروسية لخدمة المصالح الروسية بالطبع. ومع ذلك لم تكن حقيقة أنها تتوافق مع المصالح الغربية أيضا مجرد صدفة؛ فقد تأسست هذه السياسات على تحليل أجرته السياسة الخارجية الروسية والمؤسسة الأمنية لدول الشرق الأوسط، حيث تبيّن أنها صحيحة في حد ذاتها وهي أيضا قريبة جدا من تلك الخاصة بالعديد من المؤسسات الأميركية.

التحليل الروسي الأساسي هو تصور يمكن تسميته بالمناهض للديمقراطية ولكنه يتميز تحديدا بأنه إحساس عميق بهشاشة الدول والخوف من الفوضى والحرب الأهلية، إلى جانب التشكك العميق في مشاريع التغيير الثوري السريع.

وتعود جذور هذا الموقف إلى تجارب روسيا الرهيبة في القرن العشرين. كما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لصحيفة نيويورك تايمز في أكتوبر 2003 بشأن نتائج الغزو الأميركي للعراق "ليس هناك مفاجأة بالنسبة إلينا بشأن الوضع الذي تبلور، لأننا توقعنا تطور الوضع هناك بالضبط كما هو يتطور الآن.. كيف يمكن للمرء أن يتخيل مسارا مختلفا للأحداث في حالة يجري فيها تفكيك النظام؟ لقد دُمّرت الدولة بالطبع، وكيف يمكن أن يكون الأمر غير ذلك؟".

وبالنظر إلى ما حدث في العراق هل يمكن لأي شخص أن يقول إن بوتين كان مخطئا في معارضة الغزو هناك؟ ألا تكون الولايات المتحدة نفسها اليوم أفضل حالا لو قبلت في 2002 - 2003 النصيحة الروسية؟

ويعتبر ليفسين أن التجربة السوفييتية جعلت الروس متشككين كثيرا في المشاريع الثورية لتحويل المجتمعات الأخرى وفقا لنموذج أيديولوجي عالمي واحد لأن هذا هو ما حاولت الشيوعية السوفييتية فعله في جميع أنحاء العالم، وتورطت روسيا بذلك في سلسلة من الكوارث المروعة والمُكْلفة. وهكذا رأى الروس أن مشروع الولايات المتحدة في أفغانستان يشبه من نواحٍ رئيسية الجهد السوفييتي في ثمانينات القرن الماضي، ومحكوم عليه بفشل مماثل.

وقال بوتين لصحيفة فاينانشيال تايمز في 2019 بشأن نتائج الإطاحة الغربية بدولة معمر القذافي في ليبيا “هل يريد شركاؤنا الغربيون منطقة مثل ليبيا لها نفس المعايير الديمقراطية مثل أوروبا والولايات المتحدة؟ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بها أنظمة ملكية فقط أو دول ذات نظام مشابه للنظام الموجود في ليبيا.. من المستحيل فرض معايير ديمقراطية فرنسية أو سويسرية حالية وقابلة للحياة على سكان شمال أفريقيا الذين لم يعيشوا أبدا في ظروف مؤسسات ديمقراطية فرنسية أو سويسرية… أدى كل هذا إلى الصراع والخلاف بين القبائل. في الواقع إن الحرب مستمرة في ليبيا".

مرة أخرى، هل أثبتت نتائج الإطاحة بالقذافي أن بوتين كان على صواب أم خطأ؟ لا تزال الحرب الأهلية مستمرة بالفعل حتى يومنا هذا، وقد أتاح انهيار الدولة الليبية حركة جماعية للمهاجرين عبر البحر المتوسط ​​أدت إلى زعزعة استقرار الاتحاد الأوروبي.

ووصلت الخلافات الأميركية – الروسية في الشرق الأوسط إلى ذروتها بعد الربيع العربي في 2011 والانتفاضات في مصر وسوريا وليبيا. وتشكل رد الفعل الروسي على هذه الأحداث جزئيا من خلال الرغبة في الدفاع عن الحلفاء السوفييت القدامى وفي حالة سوريا الاحتفاظ بآخر قاعدة بحرية لروسيا في البحر المتوسط.

لكن الأهم من ذلك -وفق المحلل البريطاني- كان خوف موسكو من أن تؤدي هذه الانتفاضات إلى انتصار القوى الإسلامية المتطرفة وإنشاء قواعد لإحياء الإرهاب في روسيا الذي أودى بحياة العديد من الضحايا الروس قبل وأثناء الحرب الشيشانية الثانية.

وازدادت مخاوف روسيا والدول الأوروبية من تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا بسبب العدد الكبير من المواطنين المسلمين الأوروبيين والروس الذين سافروا إلى سوريا للقتال ثم حاولوا العودة إلى أوطانهم الأصلية.

وقال بوتين بخصوص التدخل الروسي في الحرب الأهلية السورية “لقد قررت أن التأثير الإيجابي لمشاركتنا النشطة في الشؤون السورية لروسيا ومصالح الاتحاد الروسي سوف يفوق بكثير عدم التدخل والمراقبة السلبية لكيفية نمو منظمة إرهابية دولية بالقرب من حدودنا.. لقد تمكنا من الحفاظ على الدولة السورية، مهما حدث، ومنعنا الفوضى على غرار ليبيا هناك".

حسابات منطقية

وصفت وزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون المعارضة الروسية للإطاحة بدولة البعث في سوريا بأنها “حقيرة”. ولكن الآن هناك شيء غريب؛ يصف الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في مذكراته “أرض الميعاد” كيف اجتمعت حكومته في يناير 2011 لمناقشة تطور الثورة في مصر وما إذا كان ينبغي الدعوة إلى استقالة حسني مبارك الذي انخرط في حملة قمع وحشية ضد المتظاهرين، حيث يقول “الأعضاء الأكبر سنا والأكبر في فريقي جو وهيلاري وغيتس وبانيتا نصحوا بالحذر، كلهم ​​عرفوا مبارك وعملوا معه لسنوات. وشددوا على الدور الذي لعبته حكومته منذ فترة طويلة في حفظ السلام مع إسرائيل ومحاربة الإرهاب والشراكة مع الولايات المتحدة في مجموعة من القضايا الإقليمية الأخرى. وبينما أقروا بضرورة الضغط على الزعيم المصري بشأن الإصلاح حذروا من أنه لا توجد طريقة لمعرفة من أو ما الذي قد يحل محله”.

يمكن القول إن تكتيكات نظام البعث في الحرب الأهلية السورية كانت أكثر وحشية من أي شيء نفذه مبارك. ثم مرة أخرى، قبل 20 عاما، اتبعت إدارة زوج كلينتون خطى إدارة جورج بوش الأب من خلال دعم النظام العسكري في الجزائر في إلغاء نتائج الانتخابات الديمقراطية وفي حملة وحشية ضد المعارضة الإسلامية. وكانت حسابات الولايات المتحدة المتعلقة بالجزائر متطابقة تقريبا مع حسابات روسيا في سوريا.

ويقول ليفسين إن هذا لا يعني إدانة آل كلينتون أو أولئك المسؤولين والمحللين الأميركيين الذين أعربوا عن شكوكهم بشأن ما يسمى بالثورات الديمقراطية في الشرق الأوسط والمخاوف من أنها قد تؤدي إلى الفوضى وانتصار الإسلاميين؛ فقد كانت شكوكهم ومخاوفهم مبررة، كما أظهرت نتائج الربيع العربي. ويبقى الشرق الأوسط منطقة سياسية قاسية، ويجب أن تكون أي قوة خارجية تعمل هناك مستعدة للعمل مع بعض الأنظمة الفاسدة.

هؤلاء المسؤولون الأميركيون الذين نصحوا أوباما بعدم الإطاحة بنظام بشار الأسد في سوريا، خوفا من أن يتولى تنظيم الدولة الإسلامية زمام الأمور، كانوا أيضا على صواب بشكل شبه مؤكد، وهو ما ينطبق على أولئك الذين أقنعوا اليوم إدارة بايدن بالاستمرار في العمل مع السعودية. ومع ذلك من الصعب معرفة لماذا يجب أن تُلام روسيا لاتباعها النهج ذاته الذي يتبعه المستشارون الأميركيون العقلاء.

لعبت العقوبات الروسية في النهاية، بعد تأخيرات طويلة باعتراف الجميع، دورا مهما في حمل إيران على توقيع الاتفاق النووي في 2015. لطالما دافعت روسيا عن حل وسط أميركي مع إيران بشأن القضية النووية، ولئن كانت الولايات المتحدة قد عملت بهذه النصيحة في 2002 – 2003 فقد كان من الممكن أن تحصل على صفقة أفضل بكثير من تلك التي حصلت عليها في 2015، ناهيك عن أي شيء يمكن تحقيقه اليوم.

ومن المثير للاهتمام أن موقف روسيا من الاتفاق النووي والشراكة مع إيران في سوريا لم يدمر علاقة روسيا الوثيقة بإسرائيل، القائمة على روابط قوية مع الجالية اليهودية في روسيا، وكذلك على التزام مشترك قوي بمحاربة التطرف الإسلامي السني. عارضت الحكومات الإسرائيلية إلى حد كبير الدور الإيراني في سوريا، لكنها أيضا تتخوّف كثيرا من عواقب انهيار الدولة السورية وأقرت بصبغة التعاون الروسي - الإيراني المحدودة والمشروطة للغاية.

وصرحت إدارة بايدن بأنها أثناء مواجهة روسيا بشأن قضايا معينة أرادت العمل مع روسيا حيث تتلاقى المصالح الأميركية والروسية. ويشير تاريخ الشرق الأوسط على مدى السنوات العشرين الماضية إلى وجود أساس قوي للتعاون في هذا المجال على الأقل.

ومع ذلك يقول المحلل البريطاني إن تطوير مثل هذا التعاون سيتطلب من صانعي السياسة الأميركيين الاعتراف، على الأقل لأنفسهم على انفراد، بعدد المرات التي ثبت فيها أن روسيا كانت على حق والولايات المتحدة على خطأ.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram