نشرت صحيفة بريطانية تقريرا عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي في لبنان وما آلت إليه الأمور في السنوات الأخيرة. ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في تقريرها عن حالة اللامساواة في ثاني أكبر مدينة في لبنان، طرابلس، فهي من أفقر مدن البلاد بينما يعيش فيها أثرى أثرياء لبنان. ففي مدينة الشمال هناك يافطتان بالأصفر تحملان شعارا على خلفية مبهجة "لقد أفلسنا".
ولا يعرف من دفع ثمن اليافطتين ولكن الرسالة واضحة وصحيحة حسب محافظ المدينة رياض يمق الذي قال إن البلدية تعاني من نقص الموارد المالية لدرجة لا تستطيع مواصلة مهامها للسكان. ويواجه لبنان أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث. وأمام هذه القائمة من الأوجاع فإن التباين في الثروة بلبنان صارخ، ففي قائمة "فوربس" لأثرياء العالم 2020 هناك ستة مليارديرات في بلد يبلغ تعداد سكانه 5 ملايين نسمة. يقول فلاديمير هلاسني، الاقتصادي في المفوضية الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة: "لبنان لديه أعلى كثافة في الثروة ولديه أكبر كثافة أصحاب المليارات في العالم".
إذ تملك 10 بالمئة من الأثرياء نسبة 71% من ثروة البلاد، حسب المفوضية الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا والتي قدرت في الشهر الماضي تصاعدا نسبيا في مستويات الفقر من 29% عام 2019 إلى 55% في 2020. يأتي لبنان في المرتبة الثانية في مؤشر "جيني" لعدم المساواة بعد السعودية.
ولا يوجد مكان يعبر عن الظلم الاجتماعي وعدم المساواة مثل مدينة طرابلس حيث تختفي البنايات الجميلة وسط الأحياء المتهدمة. فالمدينة المتداعية التي تعد ثاني مدينة من ناحية السكان ويعيش فيها أكثر من 600000 نسمة، هي مدينة اثنين من أكبر أثرياء لبنان، هما رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي، وشقيقه طه ميقاتي، حيث راكما ثروتهما في الخارج بقطاع الاتصالات. وتشير دراسة أعدها برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة قبل خمسة أعوام إلى أن 57% من سكان طرابلس يصنفون ضمن فئة "المحرومين". ونظرا لموقع طرابلس الاستراتيجي على البحر الأبيض المتوسط وقربها من المدن السورية الكبرى فقد تحولت إلى ساحة تنافس بدءا من الفصائل الفلسطينية إلى القومية العربية إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة في الآونة الأخيرة بشكل أثر على فرص الاستثمار فيها و"جعل رأس المال جبانا" كما يقال.
وأنشأ عدد من أثرياء المدينة الكبار بمن فيهم آل ميقاتي والساسة وكذا رجل الأعمال محمد الصفدي جمعيات خيرية لدعم مشاريع تعليمية وغير ذلك.
إلا أن مستشارا لنجيب ميقاتي، طلب عدم الكشف عن اسمه، قال إن الجمعيات الخيرية لا يمكنها تخفيف المعاناة الاقتصادية والاجتماعية عن طرابلس "مهما أنفق آل ميقاتي وآل الصفدي.. فهذا لا يكفي وهناك حاجة لخطة مناسبة تضعها الحكومة". وكان الفقر وخيبة الأمل عاملين مهمين وراء المشاركة النشطة لأهل طرابلس في احتجاجات العام الماضي والتي قادت للإطاحة بحكومة سعد الحريري وقادت لإطلاق لقب "عروس الثورة" على المدينة. وفي إشارة إلى زيادة اليأس لاحظت منظمات حقوق الإنسان زيادة الهجرة من المدينة وتجمع عدد من اللبنانيين الباحثين عن فرصة أفضل في قوارب منهكة وقديمة وتهريب أنفسهم مع لاجئين سوريين على أمل الوصول إلى أوروبا.
قالت مريم مراد، 25 عاما المتخرجة في مجال الأعصاب: "لم يستطع أصدقائي العثور على عمل فهاجروا"، وبعد ثمانية أشهر من البحث عن عمل وجدت وظيفة في نادي رجال الأعمال في طرابلس. وتعتبر نفسها وزملاءها من المحظوظين. ويقول سكان طرابلس إن تركيز رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري على إعادة بناء بيروت بعد نهاية الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما أدى لإهمال مدينتهم. يقول أنس شعار، المدير التنفيذي لمطاحن الحبوب الوطنية في طرابلس: "نشعر أن لبنان يتوقف عن نفق شكا" في إشارة إلى نقطة في جنوب المدينة يبلغ طولها 30 كيلومترا وهي غير متطورة لدرجة قامت شركته بفتح طرق لربطها مع شبكة الطرق الأخرى.
وفي سوق المدينة القديم هناك بائع الأثاث علي زريق العولمة حيث تحول عمل عائلته إلى شراء الأثاث الرخيص من ماليزيا قبل 20 عاما. إلا أن انهيار الليرة اللبنانية أدى إلى زيادة كلفة الاستيراد فارتفعت كلفة تأثيث البيوت وشراء المواد البيتية إلى 664% ما أدى إلى تراجع مبيعات زريق بنسبة 95%. ولكنه حمل الساسة المسؤولية، مشيرا إلى صورهم المنتشرة في الشوارع "هذه الصور التي تشاهدينها كلها دجل" و"رأيت بنفسك ما حدث، لقد دمروا لبنان".
سبوتنيك
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :