بعد إقرار مجلس النواب في جلسته الأخيرة قانون الإثراء غير المشروع، الذي يسري مفعوله على الجميع من دون إستثناء، يبقى السؤال مطروحًا وهو هل سيطبق فعلًا كما كانت عليه الحال مع قانون من أين لك هذا.
ومع أن هذا القانون قد مضى على إقراره عشرات السنين لم نرَ مسؤولًا واحدًا وراء قضبان السجون، بإستثناء شاهيه بارسوميان. فهل يعني ذلك أن جميع الذين تسّلموا مسؤولية عامة هم من أشراف مكة، وهل أن مسألة الفساد هي من صنع الأشباح وليس نتيجة أعمال يقوم بها بشر معروفون بالإسم واحدًا واحدًا؟
لكن السؤال الأهم هو من يحاسب من في مثل هكذا حالات، خصوصًا إذا كانت الشمس شارقة والناس "قاشعة"، لأن لبنان هو أصغر من أن يختبىء الناس فيه وراء حيال أصابيعهم، وهم يعرفون بعضهم البعض حلة ونسبًا، إذ لا يمكن لأحد أن يضع رأسه في الرمال ويقول "ما حدا شايفني".
المصيبة أن الفاسد والحرامي والمرتشي معروفون، ولكن المصيبة الأكبر أن لا أحد يحاسب هؤلاء المعروفين بالإسم، لأن الذي يريد أن يحاسب يجب أن يكون غير فاسد، ولذلك لم نجد فاسدًا متهمًا بالفساد والسرقة والتشبيح، بإعتبار أن الجميع "قابرين الشيخ زينكو سوا".
المعادلة بسيطة، إذ يكفي مراقبة الأشخاص الذين توالوا على وظيفة عامة، سواء أكان وزيرًا أو مديرًا عامًا أو رئيس مصلحة أو دائرة، كيف يعيشون وكيف يصرفون و"يبعزقون عَ الطالع وعَ النازل"للتمييز بين من يسرق ومن يمدّ يده على المال العام ومن يرتشي ومن يسخّر ضميره، وبين من لا يزال كفه نظيفًا ولم يلوسه بـ"مال حرام"، وهم كثيرون ولله الحمد، إذ أن التفاحة المعفنة لم تضرب الصندوق كله، وهذا بفضل ما لدى البعض من "الاوادم" من مناعة تمنع عنهم فيروس السرقة والرشوى.
لا يمكن أن نفهم كيف أن مديرًا عامًا أو قاضيًا يسمح لنفسه مثلٍا أن يدّخن سيكارًا من النوع الجيد ولا يأكل سوى الكافيار والسومون فوميه ولا يركب سيارة إلا من موديل السنة ولديه منزل في الساحل وآخر في الجبل مع شاليه على البحر، في حين أن مرتبه معروفة قيمته، وهو لا يسمح لصاحبه أن يعيش حياة الترف والبذح، التي يعيشها معظم الذين يتعاطون الشأن العام ولا أحد يسأل احدًا: من أين لك هذا، وكيف تسمح لنفسك بصرف الملايين في الوقت الذي نجد فيه من هم في القطاع الخاص ويتقاضون نفس المرتب الذي يتقاضاه "إبن الدولة"، ويا دوب يكفيه المرتب الشهري لإسبوع أو أسبوعين.
ولكن يبقى في الإدارات الرسمية أشخاص مشهود لهم بنزاهتهم ونظافتهم، وانا أعرف منهم الكثيرين، وهم بمثابة الخميرة الصالحة في العجنة الكبيرة، وعليهم يمكن بناء المستقبل، الذي بهمة هؤلاء سيبنى لبنان الجديد بعيدًا عن الزبائنية والمحاسيب والأزلام، الذين يعيثون في إدارات الدولة فسادًا.
نسخ الرابط :