تعدُّد زيارات المسؤولين العبريين إلى البحرين، وأبرزها زيارة رئيس الموساد يوسي كوهين، الذي وصل المنامة في الـ30 من الشهر الماضي، يبتغي، في الأساس، وضع صيغة نهائية لنصوص "معاهدة السلام" بين الجزيرة الخليجية الصغيرة، وكيان الاحتلال. فما وُقّع بين حكومتَي البلدين، منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي، في البيت الأبيض، كان عبارة عن "اتفاق نوايا"، وليس "معاهدة" كاملة الفصول، على غرار "معاهدة السلام" التي وُقّعت بين أبو ظبي وتل أبيب، والتي تتضمن إقامة علاقات كاملة، وأوجه التطبيع المنشود بين الحليفين القديمين.
الحقيقة أن أبو ظبي باغتت حلفاءها في البحرين والسودان، حين أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في منتصف آب/ أغسطس الماضي، أن دولة الإمارات والكيان العبري في صدد نقل علاقتهما المستترة إلى العلن. لذا، بينما أتيحت الفرصة للمفاوضين الإماراتيين والعبريين لإنجاز "اتفاق أبراهام"، بعد مفاوضات اتّسمت بالود، لم تُتَح فرصة كافية كي ينجز الطرف "الخليفي" وصديقه الإسرائيلي بنود الاتفاقية. فقد أعلن ترامب، في 11 أيلول/ سبتمبر الماضي، أن البحرين التحقت بالإمارات في إبرام اتفاق مع المحتلّين. وبعد أربعة أيام من ذلك الإعلان الأميركي - الإسرائيلي - البحريني، وَقّع وزير الخارجية البحريني، عبد اللطيف الزياني، "اتفاق نوايا" مع رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، فيما وَقّع الطرفان الإماراتي والإسرائيلي "معاهدة سلام"، لكنها في الواقع لم تتضمّن إلا بضعة أسطر، لأنه لا توجد قضايا عالقة بين الطرفين، تستدعي ملاحق ضخمة، كالمعاهدات التي وقعتها مصر والأردن، فلا أراضي محتلة للإمارات، ولا حدود، ولا شهداء، ولا مفقودين، ولا أسرى، ولا حروب سابقة.
بدء المفاوضات
نستطيع أن نقول إن المفاوضات البحرينية - الإسرائيلية الودودة، في شأن "معاهدة السلام" المرتقبة، دُشّنت باتصال هاتفي بين ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة، ونتنياهو، في 23 أيلول/ سبتمبر الماضي، بالتزامن مع وصول وفد إسرائيلي، لم يكشف النقاب عن هوية أعضائه، لكن يُقدّر أنه متعدّد الاختصاصات، وعلى معرفة بأوضاع البحرين والخليج. لكن الزيارة الأهمّ إلى البحرين، هي تلك التي قام بها رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي نهاية الشهر الماضي، بالنظر إلى ما توليه المنامة وتل أبيب من أولوية للبعد الأمني والتنسيق الاستخباري، ضدّ طهران. وفي أكثر التصريحات وضوحاً، قال وزير الداخلية البحريني، راشد بن عبد الله آل خليفة، إن المنامة، بسبب ايران، "في وضع أمني واقتصادي لا يحتمل التأخير"، في إقامة علاقة مع المحتلّين. ويُتوقع أن يتصاعد التوتر في الخليج بسبب الحلف العسكري الجديد: الإماراتي - السعودي - البحريني - الإسرائيلي، والذي يقلق إيران والكويت وعُمان وقطر وباقي دول العرب التي لا تدور في الفلك السعودي.
الملك حمد، حين التقى بكوشنر، لم يكن يملك تفويضاً سعودياً صريحاً بإقامة علاقات مع تل أبيب
هناك أمر آخر يستدعي التوضيح، وهو لماذا قال ملك البحرين، حمد بن خليفة، مرّتين متتاليتين، إن المنامة لن تُطبّع قبل الرياض، وذلك بعد لقائه وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو (26 آب/ أغسطس الماضي)، ثم بعد لقائه جارد كوشنر، مستشار الرئيس الأميركي، في الأول من أيلول/ سبتمبر الماضي؟ قلنا سابقاً إنه لا يمكن أن يؤخذ حديث الملك حمد ذاك على محمل الجدّ، فطالما كانت البحرين مختبراً للسياسات السعودية، وقد استضافت في غضون السنتين الأخيرتين مسؤولين عبريين رفيعي المستوى، وهو أمر لم تفعله الرياض. فلماذا صرّح الملك البحريني بذاك التصريح؟
محلّلون غربيون يرون أن تصريح الملك كان عبارة عن نداء علني للرياض بأن تسمح للمنامة بالمضيّ في التطبيع. وفق هذا السيناريو، فإن الملك حمد، حين التقى بكوشنر، لم يكن يملك تفويضاً سعودياً صريحاً بإقامة علاقات مع تل أبيب، على رغم المكاتبات الرسمية بين الجارتين الصغرى والكبرى. اضطرّ الملك إلى أن يناشد نظيره السعودي علناً في هذا الشأن. وقد لعب كوشنر دوراً بارزاً في إقناع الطرف السعودي بذلك، إذ وصل مستشار ترامب إلى الرياض بعد انتهاء لقائه مع الملك حمد. السعودية، من جهتها، استثمرت تلك الورقة، كي تؤكد إمساكها بزمام المبادرة، فالرياض لم تكن لتمانع التطبيع البحريني، بل إنها تشجّع الدول العربية وغير العربية الأخرى على المضيّ في التطبيع كي يَسهُل عليها العبور نحو علاقة علنية مع تل أبيب، لكنها (الرياض) فَضّلت أن تبيع التطبيع البحريني لكوشنر، وبذلك يُسجّل صهر ترامب نصراً، ويُسجّل ابن سلمان ووالده نصراً مماثلاً، ولا يغيّر ذلك من التصوّر بأن البحرين تَبَع للرياض.
أما أبرز البنود المتوقع أن تتضمّنها الاتفاقية، فلها نقاش آخر، قريب.
الاخبار
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :