لغطٌ رافق إقرار قانون الإثراء غير المشروع في الجلسة التشريعية، وتضاربٌ في المعلومات بين المراسلين أنفسهم حيال شموله الوزراء والنواب والمسؤولين، أم استثنائهم من أحكامه، حيث أنّ بعض مراسلي وسائل الإعلام المرئية وخلال رسائلهم المباشرة، أعلنوا أنّ القانون اقتصر فقط على الموظّفين، واستثنى المسؤولين كافة من رؤساء ووزراء ونواب. ما حقيقة الأمر؟ ووفق أي صيغة أُقر القانون؟
أُقرّ القانون ليطال المرتكبين، بمن فيهم المسؤولون، وذلك من خلال تعديل أُدخل على المادة 11 منه، مفاده “يعتبر جرم الإثراء غير المشروع من الجرائم العادية ويخضع للقضاء العادي”، وبالتالي لم يعد جرم الإثراء غير المشروع مربوطًا بالإخلال بالواجبات الوظيفية. عمليًّا يعني ذلك أنّه أصبح بالإمكان، من خلال هذا التعديل محاكمة الوزير أو النائب المرتكب لجرم الإثراء غير المشروع أمام القضاء العادي، بعدما كان ذلك متعذرًا ومنوطًا فقط بالمجلس الأعلى لمحاكمة الوزراء والرؤساء، والذي يتطلب رفع الحصانة الدستورية وتصويت ثلثي أعضاء مجلس النواب.
على رغم أهمية هذا التعديل الذي أتاح محاكمة المسؤول بالجرم المذكور أمام القضاء العادي، إلّا أنّ الحصانات عن كلّ المسؤولين، أي الرؤساء والوزراء والنواب، لم ترفع. في الجلسة كانت مداخلة للنائب ايلي الفرزلي طالب خلالها برفع الحصانات عن الجميع، لكن ذلك يبدو حلمًا إصلاحيًّا بعيد المنال، كونه يتطلب تعديلًا دستوريًا. وعلى رغم أنّ الرئيس نبيه بري أبدى استعداده لمناقشة تفسير الدستور، إلّا أنّنا ندرك جميعًا أنّ ذلك لن يتحقق.
النائب حسن فضل الله وفي حديث خاص لـ “لبنان 24” أكدّ شمول القانون المسؤولين “وفق ما عدّلناه ودوّناه في المحضر كنواب، يُفترض بالقضاء أن يبدأ بمحاكمة الوزراء في قضايا الإثراء غير المشروع. كنا نصطدم في كل مرّة نناقش فيها قوانين مكافحة الفساد بالمادة الدستورية 70 التي تقول بالإخلال بالواجبات الوظيفية وبمحاكمة الوزراء أمام المجلس الأعلى. لقد تقدّمت بثلاثة اقتراحات قوانين، لتعديل المادة 70، وتعديل قانون المجلس الأعلى، ورفع مجلس النواب الحصانات عن كلّ الوزراء، وأن يحاكموا أمام القضاء المختص وليس أمام المجلس الأعلى. للأسف حتّى اليوم يقف القضاء عند المادة الدستورية ولا يحاسب هؤلاء الوزراء، وكما قلت في الهيئة العامة، هناك الكثير من الوزراء استباحوا مال الدولة، تستّرًا بهذه المادة الدستورية، التي أفترض أنها لم توضع لتشرّع الهدر والفساد والسرقة. اليوم مع إقرار هذا القانون أضحت قضايا الإثراء غير المشروع غير خاضعة لتفسير الإخلال بالواجبات الوظيفية، وأصبح الإثراء من الجرائم العادية والشخصية، وفي النص الدستوري الوزير مسؤول عن أفعاله الشخصية ليس أمام المجلس الأعلى، وهذا ما ثبّتناه في المحضر”. أضاف فضل الله “اليوم خطونا خطوة لكنّها ليست كاملة. نحن مع رفع الحصانات في القضايا المرتبطة بالمال العام عن الجميع، أيّا يكن موقعهم السياسي الوظيفي والإداري، فلا يجوز أن تكون هناك حصانة على أحد، كنّا تقدمنا باقتراحات قوانين في هذا الشأن، لم يتم السير بها في الجلسات الماضية”.
ولكن السؤال الذي يجول في خاطرنا جميعًا، هل سنرى بعد إقرار القانون وزراء يحاكمون في لبنان على اختلاسهم للمال العام ؟
يجيب فضل الله “هناك من يراهن ألا تطبّق هذه المادة، والمسؤولية أصبحت على عاتق القضاء”.
تبقى الإشارة إلى أنّ الإطار التشريعي القانوني لم يشكل وحده حاجزًا أمام محاكمة مراكمي الثروات من نهب المال العام. فقانون الإثراء غير المشروع موجود منذ 67 عامًا، أقّر عام 1953 عدّل عام 1999، وكان يعرف بقانون من أين لك هذا، ومنذ ذاك الحين راكم العديد ممن تبوأوا المناصب السياسية ثروات كبيرة من مال الشعب، ولم يُحاكم أحد منهم بجرم الإثراء غير المشروع.
نوال الأشقر
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :