هل تقترب حرب جديدة على لبنان؟

هل تقترب حرب جديدة على لبنان؟

بين التهويل السياسي والوقائع التي لا تدعم فرضية الضربة الكبرى

 

Telegram

هل تقترب حرب جديدة على لبنان؟

بين التهويل السياسي والوقائع التي لا تدعم فرضية الضربة الكبرى

د. رشا أبو حيدر

يتردّد في لبنان، سياسيًا وإعلاميًا وشعبيًا، كلام متصاعد عن احتمال تنفيذ إسرائيل ضربة عسكرية كبيرة بعد انتهاء زيارة البابا الأخيرة. ومع تراكم الشائعات وتضارب التقديرات، أصبح السؤال الأكثر تداولًا: هل الحرب قادمة؟ ولماذا الآن؟

لكن عند تفحّص المعطيات السياسية والميدانية ببرودة أعصاب، يبدو أن معظم التطورات خلال السنوات الأخيرة تصبّ، فعليًا، في مصلحة إسرائيل من دون أن تحتاج لحرب واسعة. فما الذي يبرّر التهويل إذًا؟

- معطى أول: رسائل خارجية تهدد بسحب سلاح حزب الله

تشير مصادر سياسية لبنانية إلى رسائل عربية وغربية وصلت عبر مصر، تتضمن دعوات واضحة لسحب سلاح حزب الله قبل نهاية 2025. هذه الرسائل تُقدَّم على أنها إنذار أخير: نزع السلاح أو ضربة إسرائيلية.

لكن هذا الطرح يصطدم بسؤال جوهري: هل يحتاج هذا النوع من الضغط إلى حرب فعلًا، أم أنه قائم أصلًا من دون إطلاق رصاصة؟

- معطى ثانٍ: الاغتيالات الميدانية… حرب بلا حرب

على مدى السنوات الماضية، نجحت إسرائيل في اغتيال قادة من الصفين الأول والثاني في حزب الله من دون الانجرار إلى مواجهة شاملة.

هذا الأسلوب، الذي أثبت فعاليته من وجهة نظر تل أبيب، يطرح تساؤلًا مهمًا: لماذا تلجأ إسرائيل إلى عمل عسكري ضخم طالما أنها تحقق أهدافها عبر عمليات دقيقة قليلة الكلفة؟

- معطى ثالث: المكاسب البحرية… ورقة تحوّلت إلى إنجاز

حصلت إسرائيل في عملية ترسيم الحدود البحرية مع لبنان على ما كانت تطمح إليه، ثم جاء ترسيم لبنان حدوده البحرية مع قبرص عام 2025 ليضيف طبقة جديدة من المكاسب غير المباشرة لإسرائيل في شرق المتوسط.

هذه التطورات تمنحها استقرارًا استراتيجيًا واقتصاديًا، يصعب معها تصوّر أنها ستجازف بحرب تهدد مصالحها البحرية المستقرة حديثًا.

- معطى رابع: اتفاق وقف العمليات 2024… التنفيذ الفعلي لـ1701

الاتفاق الذي خرج به لبنان وإسرائيل عام 2024، والذي يُعد صيغة تنفيذية للقرار 1701 الذي عجز عن التطبيق الكامل عام 2006، شكّل تقدمًا واضحًا لإسرائيل.

فهي نجحت في فرض قواعد اشتباك أخف وطأة عليها، وأكثر صرامة على لبنان، ما خفّف من الضغوط الحدودية عليها من دون حرب.

- معطى خامس: آلية “الميكانيزم” ودعم دولي صريح

تعاظم دور آلية مراقبة وقف الأعمال القتالية (الميكانيزم) جعل إسرائيل في موقع تفاوضي وميداني مريح. فهذه الآلية، بشكل مباشر أو غير مباشر، تنتج بيئة داعمة لوجهة النظر الإسرائيلية حول الانتهاكات والردود.

يضاف إلى ذلك الدعم الأميركي والغربي المفتوح لإسرائيل، ما يجعلها غير مضطرة إلى خوض حرب واسعة لتحصيل هذا الدعم… لأنها تحصل عليه أصلاً.

هل هناك حاجة فعلية لحرب كبرى؟

عند جمع كل هذه المعطيات، يبرز السؤال الجوهري:

إذا كانت إسرائيل تحقق أهدافها السياسية والأمنية والاقتصادية من دون حرب، فلماذا تحتاج لحرب كبيرة؟ ليس هناك مؤشر موضوعي واضح على أن إسرائيل مضطرة إلى مجازفة بهذا الحجم.

بل على العكس، فإن التكلفة العالية لأي حرب شمالية، سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، تجعل خيار التصعيد الشامل غير جذاب مقارنة بما تحققه تل أبيب حاليًا بأقل قدر من المخاطر.

إذًا… لماذا التهويل؟

التهويل في لبنان يمكن فهمه في أربعة اتجاهات:

1. ضغط خارجي لتسريع الملفات اللبنانية الداخلية عبر تخويف الرأي العام.

2. استثمار سياسي داخلي في بلد اعتاد تحويل المخاوف إلى أدوات تفاوض.

3. محاولة إسرائيلية لتكريس الردع من دون حرب عبر الحرب النفسية.

4. غياب الثقة الشعبي بالدولة اللبنانية ما يجعل أي شائعة قابلة للانتشار السريع.

المعادلة الحالية لا تشير إلى حرب وشيكة بقدر ما تشير إلى حرب نفسية تُستخدم كأداة ضغط على الساحة اللبنانية، داخليًا وخارجيًا.

إسرائيل رابحة بمعظم أوراقها اليوم من دون أن تطلق حربًا واسعة، ولبنان يعيش مأزقًا سياسيًا يفتح الباب لكل التفسيرات.

وبين هذا وذاك، يبقى السؤال مفتوحًا:

هل نحن أمام تهويل مبالغ فيه… أم أمام مرحلة تُهيّأ لتغييرات أكبر في الإقليم؟

الجواب رهن تطورات الشهور المقبلة، لكن الوقائع حتى الآن لا تكفي لتأكيد فرضية الضربة الكبرى.

 

 

 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram