مطبّات استعمال رئيس الجمهوريّة للمادة 58 من الدستور
تتحدّث مصادر صحفية عن إمكانية قيام رئيس الجمهورية، بإصدار وتنفيذ مشروع تعديل قانون الانتخابات النيابية، عن طريق استعماله المادة 58 من الدستور التي تخوّله حق إصدار بموجب مرسوم له قوة القانون كل مشروع قانون منحته الحكومة صفة الإستعجال، وذلك بعد إدراجه في جدول أعمال جلسة عامة وتلاوته، ومضي أربعين يوماً دون أن يبتّ به المجلس النيابي.
ولا بدّ لنا هنا من التمييز بين المادة 58 قبل تعديلها في العام 1990 أي قبل إتفاق الطائف، والمادة 58 بعد تعديلها.
فالمادة 58 القديمة نصّت على أنه <كل مشروع تقرّر الحكومة كونه مستعجلاً بموافقة مجلس الوزراء، مشيرة إلى ذلك بمرسوم الإحالة يمكن لرئيس الجمهورية بعد مضي أربعين يوماً من طرحه على المجلس، دون أن يبتّ به أن يُصدر مرسوماً قاضياً بتنفيذه بعد موافقة مجلس الوزراء>.
عندما تمّ اعتماد نص هذه المادة في العام 1927، كانت آنذاك محطّ انتباه رجال القانون والسياسة، نظراً لفرادتها في الدستور اللبناني. وكان المحامي الدكتور ندي تيّان قد سلّط الأضواء عليها قائلاً: إنها المادة الوحيدة المبتكرة في الدستور، ولقد كُتبت من لبنانيين من دون أن تكون مقتبسة أو مستوحاة من أي نص دستوري. في حين اعترف الدكتور إدمون ربّاط بابتكارية هذه المادة، معتبراً إياها صنيعة الإنتداب الفرنسي.
وذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك، مدرجين هذه المادة في إطار عقلنة التشريع، أي إعطاء الحكومة القدرة على التحرّك في حالتي العجلة، وتقاعس البرلمان عن البتّ في أي مشروع قانون، تقرّر الحكومة كونه مستعجلاً خلال مهلة أربعين يوماً من طرح المشروع على مجلس النواب.
وبكلمة مختصرة تعني عقلنة التشريع تكيّف الطرق والوسائل التشريعية مع الضرورات الواقعية المستجدّة، أو هي استبدال إجراءات تشريعية بغيرها، وفقاً لتعبير العلاّمة الفرنسي <بيردو>.
وتبيّن الوقائع أن المادة 58 هذه، قد أعطت دفعاً جديداً الى الحكومة مكنّها من تنفيذ مشاريع معجلة بموجب مراسيم لها قوّة القوانين، في حال تباطأ البرلمان أو تقاعس عن بتّها أو إقرارها خلال مهلة أربعين يوماً من تاريخ طرحها عليه.
لكن السؤال الواجب طرحه هنا، هل يبدأ سريان مهلة الأربعين يوماً من تاريخ طرح مشروع القانون المعجل على المجلس النيابي، أو من تاريخ إحالته إليه. نشير هنا إلى أن الطرح يعني عرض المشروع على المجلس النيابي، في حين الإحالة تعني وروده الى المجلس النيابي.
اعتبر النائب إميل إدّه (محاضر مجلس النواب عام 1927)، أن المهلة يجب أن تبدأ من تاريخ طرح مشروع القانون المعجّل على المجلس، في حين رأى رئيس الحكومة (بشارة الخوري) أن <مسألة الطرح ليست من شأننا، نحن لا نملك غير حق الإحالة>، ولقد عنى بذلك أن مهلة الأربعين يوماً تبدأ من تاريخ الإحالة.
وبكلمات أوضح اعتبر الدكتور إدمون رباط أن سريان مهلة الأربعين يوماً يبدأ من تاريخ إحالة المشروع المعجل إلى مجلس النواب، أي تاريخ إيداعه مكتب المجلس ولقد عزّز رأيه هذا قائلاً، أنه بإمكان رئيس مجلس النواب تعطيل المادة 58 إذا أراد عدم طرح المشروع على المجلس.
إضافة إلى ذلك، نذكر هنا أن المادة 58 قد وُضعت أصلاً لإيجاد التوازن بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، لا بل لتقوية السلطة التنفيذية إزاء مجلس النواب.
المادة 58 الجديدة
ومن هذه الزاوية نطلّ على المادة 58 الجديدة والعائدة للعام 1990، أي إتفاق الطائف وهي السارية المفعول حالياً. فلقد أضاف النص الجديد للمادة 58 شرطين أساسيين لكي يتمكن رئيس الجمهورية من إصدار أي مشروع قانون معجل بمرسوم تنفيذي له قوّة القانون في حال لم يبتّ به المجلس خلال مهلة أربعين يوماً. فلم يكتف النص الجديد بالشرط الوارد بشكل عام وملتبس في المادة القديمة أي طرح المشروع على المجلس بل أضاف شرط إدراجه في جدول أعمال الجلسة العامة وتلاوته فيها. ممّا يعني أن سريان مهلة الأربعين مرهون بإدراج المشروع المعجل في جدول أعمال جلسة عامة وتلاوته فيها.
وهنا لا بد لنا من طرح السؤال التالي: من له الحق بإدراج مشاريع القوانين في جدول أعمال الجلسات لكي يُصار بعد ذلك إلى تلاوتها في المجلس النيابي.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
.اضغط هنا
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي