كان لبنان يومًا ملاذًا مصرفيًا للودائع الإقليمية. استقبل أموال المغتربين ورؤوس أموال خليجية تبحث عن تنويع، وقدّم مستوى من الحرّية المصرفية افتقدته العواصم المجاورة حينها. ذلك الدور تراجع تدريجيًا مع انهيار الثقة، تقلّص العلاقات المراسلة، وتعذّر أي إصلاح جدّي يُعيد هيكلة القطاع.
اليوم، يدور الاقتصاد المحلي ببطء ثقيل. الأسعار بلا مسار، والرواتب تعجز عن مجاراة التضخم، فيما ينكمش الائتمان المنتج داخل النظام المصرفي. وفي الخلفية، تنشأ شبكة مالية موازية بقدر ما هي صامتة، بقدر ما أصبحت ضرورية لاستمرارية النشاط.
شركات صغيرة ومتوسطة تفتح حسابات في دبي والدوحة لتأمين المدفوعات، تعتمد تمويلًا قصير الأجل من المورّدين بدل الاقتراض المصرفي، وتلجأ إلى منصّات دفع رقمية لتجاوز البطء والإجراءات الثقيلة. إنها هندسة بقاء في زمن فقدت فيه الأدوات التقليدية جدواها.
لكن لهذه الديناميكية ثمن غير ظاهر: انتقال حركة الأموال إلى الخارج يحدّ من قدرة المصارف على خلق ائتمان، ويقضم الدور المالي الذي ميّز لبنان لعقود. وفي المقابل، تتعزّز سيطرة العواصم الخليجية على الدفع الإقليمي، مستفيدة من رقمنة سريعة وامتثال مُحكم.
وهنا تبرز معضلة أعمق: اقتصاد بُنِي على خدمات مالية خفيفة البنية يجد نفسه اليوم مجبرًا على إعادة اختراع دوره. فإذا كان الماضي قائمًا على جذب الودائع، فإن المستقبل يتطلّب شبكات دفع نظيفة، هوية امتثال واضحة، وقدرة على إدارة التدفقات بدل انتظارها.
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي