لماذا يريد العلماء نثر "هباء كيميائي" في غلاف الأرض الجوي؟
قد يكون من الممكن مستقبلا تبريد كوكب الأرض والتقليل من تأثير أضرار الاحتباس الحراري أو إيقافه عبر حقن جزيئات في الغلاف الجوي لتعكس ضوء الشمس، وفقا لدراسة نشرت مؤخرا في مجلة "إيرث فيوتشر".
وقام فيها الباحثون من كلية لندن الجامعية بمحاكاة باستخدام نموذج نظام "يوكسم1" البريطاني، وهو نموذج حاسوبي للمناخ، وقاموا بتقدير تأثير حقن جسيمات الهباء الجوي في طبقة الستراتوسفير الجوية.
وبإضافة ثاني أكسيد الكبريت، الذي يصنع جزيئات دقيقة عاكسة لضوء الشمس، على ارتفاعات وخطوط عرض وفي فصول مختلفة تمكنوا من تحديد فعالية إستراتيجيات الحقن المختلفة.
وفي تصريح للجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني حول إمكانية تطبيق هذه التقنية مستقبلا، يقول المحاضر بكلية ييل للبيئة وزميل جامعة هارفارد والباحث في الدراسة الدكتور ويك سميث "لم تُجرَ أي أبحاث ميدانية حول حقن الهباء الجوي الستراتوسفيري، لذا فإن جميع معرفتنا بهذا الأمر مستمدة من النمذجة والنظريات".
ويضيف "ومع ذلك، لا يبدو أن هناك أي عائق علمي أو تكنولوجي جوهري يحول دون القيام بذلك. ويبدو أن تطبيقه سيؤدي إلى تبريد كوكب الأرض بشكل كبير".
ويوضح سميث أن هذه التقنية قد تساعد على تبريد هذا الكوكب، ويضيف "بما أن العديد من مشاكل تغير المناخ إن لم يكن جميعها ناجمة عن الحرارة، فإن انخفاض الحرارة يعني انخفاضًا في أضرار المناخ. ولكني أعتبر هذا بمثابة مورفين للكوكب، وليس بنسلينًا، فهو لا يُعالج المرض الأساسي، ولكنه قد يُخفّف الألم (أي أضرار المناخ) بشكل كبير".
أما عن المخاطر التي قد تنجم عن استعمال هذه الطريقة، فيقول سميث إن "أعظم المخاطر اجتماعية وسياسية وليست مادية".
ويضيف "من الممكن بالطبع أن تنجم عن هذه التقنية الجديدة آثار سيئة غير معروفة لم نتوقعها، وإلى أن نجري بعض الاختبارات الميدانية يظل هذا الخطر حقيقيًا ولكنه أيضا يبدو ضئيلًا".
إعلان
ويوضح سميث أن هذا ليس جديدا، بل هناك نسخة طبيعية منه، فأحيانا تحدث ثورات بركانية كبيرة، وهي تُعدّ مثالًا جيدا للتبريد بواسطة الهباء الجوي، حيث يحدث تبريد للأرض بعد هذه الثورات البركانية، ولا يبدو أن هذه الثورات البركانية تنتج آثارا جانبية سيئة أخرى.
ويضيف "لذا فإن المخاطر الأكبر اجتماعية سياسية، أي أن تعديل درجة الحرارة العالمية قد يُسبب صراعًا بين الدول. قد ترغب بعض الدول في حقن هباء جوي أكثر، وبعضها الآخر يرغب في حقن أقل".
قد يؤثر حقن الهباء الجوي أيضًا على هطول الأمطار في أجزاء مختلفة من العالم بطرق قد يصعب التنبؤ بها، وهذا أيضًا قد يُسبب صراعا، بحسب سميث.
ومع ذلك يجب موازنة كل هذا بمخاطر عدم القيام بعملية حقن الهباء الجوي. إذ إنه في عالم يعاني من ارتفاع درجة الحرارة، قد تكون مخاطر عدم التصرف أكبر من مخاطر التصرف.
هل ستحتاج هذه التقنية لطائرات خاصة؟
افترضت معظم الأبحاث سابقا أن هذه التقنية سوف تتطلب طائرات مصممة خصيصا قادرة على الطيران على ارتفاعات تصل إلى 20 كيلومترا أو أكثر لحقن الجسيمات.
وقد كانت هذه هي المشكلة الكبرى والعائق أمام عملية الحقن، حيث إن تطوير طائرات خاصة للحقن على ارتفاع 20 كيلومترا قد يستغرق عقودا من الزمن ويتكلف عشرات المليارات من الدولارات.
ولكن وفقا لهذه الدراسة النموذجية، فإن عملية التبريد هذه التي تمت فيها إضافة جزيئات إلى الغلاف الجوي لتعكس ضوء الشمس لن تحتاج تطوير طائرات خاصة، بيد أنه يمكن تحقيقها باستخدام الطائرات التجارية الكبيرة الموجودة حاليا مثل "بوينغ 777 إف".
وقد يكون سبب الافتراض القديم الذي يشترط تطوير طائرات نفاثة خاصة هو الاعتقاد بأن الحقن لابد أن يكون في المناطق الاستوائية وعلى ارتفاعات كبيرة، مما يجعل استعمال الطائرات التجارية الحالية أمرا صعبا.
ولكن وفقا لهذه الدراسة الجديدة يمكن إضافة جسيمات على ارتفاع 13 كيلومترًا فوق المناطق القطبية نظرًا لأن طبقة الستراتوسفير تكون أقل في المناطق القطبية. ويمكن أن يعمل هذا على تبريد الكوكب بفعالية، وإن كان ذلك أقل فعالية بكثير من الارتفاعات الأعلى الأقرب إلى خط الاستواء.
حسب الدراسة، يُحقق الحقن في الارتفاعات المنخفضة (13 كلم) ما يعادل 35% من كفاءة التأثير مقارنة بالحقن في المناطق شبه الاستوائية مع ارتفاعات عالية (20 كلم).
كما يُزيد الحقن المنخفض من الآثار الجانبية للتبريد، وينتج عنه توزيع تبريد أكثر قطبية، مع انخفاض الفعالية في المناطق الاستوائية التي تعاني من مستويات عالية من الاحتباس الحراري، ويعمل الحقن أيضا على زيادة مشكلة الأمطار الحمضية.
ورغم ذلك فإن الحقن المنخفض لن يواجه عوائق فنية كبيرة نظرًا لإمكانية استخدام الطائرات النفاثة الكبيرة الحالية للحقن. وقد يعني هذا زيادة في عدد الجهات الفاعلة القادرة على حقن الهباء الجوي، والقدرة على البدء المبكر للحقن، ولكن أيضا ربما يزيد من خطر الحقن الأحادي.
طبقات الغلاف الجوي
أما السبب في عدم حقن جسيمات الهباء الجوي في أدنى طبقات الغلاف الجوي القريبة من الأرض وهي طبقة التروبوسفير، فهو أن أي جسيمات في هذه الطبقة ستختفي بسرعة لأنها عالقة في السحب التي تتساقط منها الأمطار.
إعلان
أما طبقة الستراتوسفير فهي جافة ومستقرة وخالية من السحب، مما يعني أن الجسيمات المضافة ستبقى في الجو لأشهر أو سنوات. وأيضا لو طبق الحقن في مستوى أعلى من طبقة الستراتوسفير على ارتفاع 20 كيلومترا فسيعطي فعالية أعلى، لكن هذا الأمر يصعب تحقيقه ويحتاج إلى تطوير طائرات خاصة.
وقدّر الباحثون أن ضخ 12 مليون طن من ثاني أكسيد الكبريت سنويًا على ارتفاع 13 كيلومترًا في فصلي الربيع والصيف المحليين لكل نصف من نصفي الكرة الأرضية من شأنه أن يُبرّد الكوكب بنحو 0.6 درجة مئوية.
وهذه الكمية تُعادل تقريبًا الكمية التي أُضيفت إلى الغلاف الجوي نتيجة ثوران بركان جبل بيناتوبو عام 1991، والذي أدى أيضًا إلى انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة العالمية.
ورغم أهمية تقنية الحقن وقدرتها على خفض درجة الحرارة العالمية، فإنها لن تعالج تماما تغير المناخ، فهي ليست بديلاً عن جهود تخفيض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، فلا يمكن تحقيق استقرار المناخ على المدى الطويل إلا مع تحقيق صافي انبعاثات صفري .
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
.اضغط هنا
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي