لغة الحركة... حين يصبح الصمت عقابًا

لغة الحركة... حين يصبح الصمت عقابًا

 

Telegram

ليست كل الفوضى شرًّا، ولا كل الهدوء طمأنينة.
فأحيانًا، في ضجيج طفلٍ يتحرّك كثيرًا، تنبض حياةٌ تبحث عن اعترافٍ بوجودها.
في صفوفٍ تضيّقها المقاعد الخشبية، يُولد أطفالٌ أكبر من مساحتهم، يحاولون الاتّساع بالحركة، لأن الصمت أضيق من أحلامهم.
 
في كل صفٍّ، هناك من يُتَّهم بأنه "مزعج"، بينما هو في الحقيقة كوكبٌ صغير يدور بسرعةٍ لا تحتملها الجاذبية المدرسية.
طفلٌ لا يجلس كما يريد النظام، ولا يرفع يده في الموعد المقرّر، لأن أفكاره تسبق القواعد بخطوةٍ ونصف.
هو لا يتمرّد على التعليم، بل على طريقةٍ تُخمد نوره باسم الانضباط.
 
هؤلاء الأطفال، أصحاب الحركة الزائدة، ليسوا مصدر إزعاج… بل قصائد حياةٍ تُكتب بجسدٍ لا يهدأ.
أجسادهم تتكلّم قبل ألسنتهم، تعلن حضورها بطرقٍ لا تُدرَّس في المناهج.
يركضون كأنّ الأرض لا تسع قلوبهم، وكأنّ في صدورهم رياحًا لا تعرف السكون.
هم ليسوا كثيري الحركة... بل كثيرو الحياة.
 
لكنّنا نخطئ حين نحاكمهم بمعاييرنا الجامدة.
ففي كل حركةٍ قد يختبئ وجعٌ صغير، أو نداءٌ لم يُسمع، أو عينٌ تبحث عن دفءٍ غاب في البيت.
بعضهم يركض لأن الوحدة تطارده، وبعضهم يضحك بصخبٍ ليخفي خوفه، وبعضهم ببساطةٍ عقلٌ سابقٌ لعمره، يختنق في قفص التكرار.
إنّ الخطأ ليس في الطفل، بل في العيون التي لا ترى أبعد من الفوضى.
المعلّم الحقيقي لا يطفئ الصوت فقط، بل يُصغي إلى الصمت.
يفهم أن خلف كل إزعاجٍ موهبة، وخلف كل حركةٍ شغفٌ يحاول أن يولد.
أذكر طفلًا اسمه "علي"، كان يُوصف دومًا بالمشاغب.
لم يحبّه أحد من المعلّمين، حتى جاء يومٌ وقف فيه على خشبة المسرح وقال:
 "أنا لستُ مشاغبًا... أنا فقط لم أجد مكانًا لطاقتي."
ومنذ ذلك اليوم، لم يع الضجيجُ إزعاجًا... صار لغةً تترجم الحلم.
واليوم، عليّ ممثلٌ موهوب، يشكر في كل لقاء "المعلّمة الوحيدة التي صدّقته".
لا تُسكتوا أطفالكم حين تُصفّق الكراسي بأجسادهم الصغيرة...
فقد تكون تلك الحركة دعاءً لا يُقال بالكلمات، وصوتًا يبحث عن من يسمعه بقلبه.
افتحوا لهم نوافذ الضوء، ودعوا أرواحهم تتنفّس.
فبعض الضجيج حياةٌ في أبهى تجلّياتها،
وبعض الصمت... عقابٌ لمن أراد أن يحيا.
 
 
بقلم: فاطمة يوسف بصل

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram