كتب رشيد جاطوم
في مشهد يتكرر كل أربع سنوات، تعود الأصوات ذاتها لتعلن أن "الوحدة الطائفية" و"المصلحة العليا" تتطلب إسقاط أي صوت مختلف. لكن السؤال الذي يتجنبونه: لماذا أصبحت "المصلحة الطائفية" مرادفة لإسقاط كل من يجرؤ على طرح بديل؟
فشل "التغيير" لا يبرر استمرار الفشل القديم
صحيح أن أداء بعض نواب "التغيير" في البرلمان لم يحقق النتائج التي طمح لها الناخب الجبلي، بسبب نظام سياسي مغلق يصعب اختراقه. لكن هذا الفشل لا يمنح شرعية جديدة لأحزاب السلطة التقليدية التي ما زالت تكرر نفس السياسات الفاشلة ذاتها.
فالعودة إلى أحزاب المحاصصة والزبائنية تحت ذريعة أن "بدائلها لم تكن مثالية" هي كمن يفضل الغرق في مستنقع رأى أن قارب النجاة لم يصل به إلى البر الآمن فقرر العودة إلى المستنقع.
لعنة القانون: تحالفات الأضداد وخيانة الناخب
وراء الكواليس، تُفرض تحالفات شاذة بين ألد الأخصام، ليس بسبب تقارب برامجي، بل بسبب منطق "الحواصل" و"الأصوات التفضيلية" الذي يفرضه قانون الانتخابات المعقد. هنا تتحول العملية الانتخابية إلى لعنة حقيقية:
نواة اللائحة المتحالفة هي مجموعة أخصام بالممارسة: حيث يجلس "الحليف" الانتخابي المؤقت بجانب خصمه اللدود، وكلاهما يعلم أن التحالف مؤقت وقائم على حسابات رياضية باردة.
* كل طرف يسعى إلى جذب "اللحاف" لناحيته: الهدف ليس بناء مشروع مشترك، بل استغلال القوة الانتخابية للشريك لتحقيق مكاسب ذاتية، وغالباً على حساب مصالح الناخب الذي وجّه صوته بناءً على وعود كاذبة.
السياسة تُبنى على دراسات نتائج 2022:
يتم تحليل أدق التفاصليل وتحديد الثغرات التي يمكن استغلالها. الخصم لا يُهزم ببرنامج أفضل، بل "بشباك انتخابي" مُحكم يُغلَق أمامه. مارك ضو، على سبيل المثال، لا يُهاجم بسبب فشله، بل لأنه نجح سابقاً في اختراق هذه الشباك ويجب منعه من تكرار ذلك.
الطامة الكبرى: عندما تتحول "المصلحة الطائفية" إلى سيف مسلط على رقاب الناس
الأخطر من خطاب "المصلحة الطائفية" نفسه، هو أن هذه الشعارات تتبخر عندما تتعارض مع المصالح الشخصية للزعماء. فالطامة الكبرى حقاً هي أن "المصلحة الطائفية" تعلو فقط عندما تتفق مصائر الزعماء، لكنها تتحول إلى رصاصة طائشة تسيل دماء أبناء الطائفة أنفسهم عندما تختلف مصالحهم. التاريخ اللبناني يشهد أن دماء أبناء الجبل لم تسلّ يوماً بيد "الغرباء"، بل سالت دائماً عندما اختلف زعماؤهم على تقاسم الغنائم.
التمرد ليس خياراً... بل هو ضرورة للبقاء
في هذا المشهد، لا بد من تمرد الناخب الدرزي على هذه المعادلة المحبطة. التمرد ليس ترفاً فكرياً، بل هو ضرورة للخروج من دائرة الدم والدمار. الناخب الذي يرى دماء أبناء طائفته تسيل بسبب خلافات زعمائه، عليه أن يدرك أن الخيار الوحيد للبقاء هو البحث عن خيارات أخرى تحقق تطلعاته بعيداً عن هذه الثنائية المسمومة: إما الخضوع لزعيم طائفي أو الفوضى.
ضبابية التحالفات... وفخ الاختيار المزيف
الحديث عن "تحالفات" و"تنسيق" بين أقطاب النظام القديم هو جزء من لعبة إيهام الناخب بأنه أمام خيارات. لكن الحقيقة أن الصورة تبقى ضبابية لأن الهدف واحد: إعادة إنتاج نفس النظام تحت شعارات جديدة.
والنتيجة دائماً هي أن الناخب هو الخاسر الوحيد، محاصراً بين خيارين: إما التصويت لمن أظهر فشله، أو التصويت لمن قد يفشل.
المعركة الحقيقية في الجبل لم تعد بين "تقليدي" و"تغييري"، بل بين منطقين:
منطق الموت: حيث تُسقِط "المصلحة الطائفية" حق الناخب في الاختيار، وتُسيل الدماء عندما تتعارض المصالح.
منطق الحياة: حيث يرفض الناخب أن يكون رهينة في صراعات لم يخترها، ويبحث عن ممثلين جدد حتى لو كان الطريق صعباً.
الخيار الآن بين الاستمرار في دوامة الدم التي يحركها الزعماء، أو بدء دوامة أمل يحركها الناس. فشل نموذج ما لا يعني العودة إلى نموذج فاشل قديم، بل يعني الإصرار على البحث عن نموذج جديد... حتى ولو طال الطريق.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :