ازدهار من زجاج… طفرة اقتصادية ونهضة عمرانية “مفاجئة” في بغداد

ازدهار من زجاج… طفرة اقتصادية ونهضة عمرانية “مفاجئة” في بغداد

 

Telegram

تشهد بغداد نهضة عمرانية غير مسبوقة توحي بازدهار اقتصادي واعد في عاصمة أنهكتها الحرب، لكن تقارير غربية تحذر من أنه خلف الواجهات الزجاجية والمشاريع الضخمة، تتحرك أموال مشبوهة وشبكات نفوذ مظلمة.

قالت مجلة “الإيكونوميست” في تقرير طويل إن بغداد تشهد ازدهاراً غير متوقع في قطاع البناء، وإن العراق يبدو مستقراً بشكل ملحوظ، ما يجذب المستثمرين الأجانب ويعيد تشكيل عاصمته.
منذ تولي رئيس الوزراء محمد السوداني منصبه في 2022، قامت حكومته ببناء عشرات الجسور الجديدة في بغداد. افتُتحت 4 مستشفيات جديدة على الأقل، بما في ذلك أول مركز متخصّص لعلاج السرطان. تم بناء أو إعادة بناء أكثر من 1,700 مدرسة. ومن المقرر افتتاح ستة فنادق فاخرة. كما تجري الحكومة محادثات مع عملاقي النفط الدوليين “شيفرون” و”إكسون موبيل”. وتمت رقمنة العديد من الخدمات الحكومية.
ثمة عدة عوامل تفسر هذا النشاط العمراني المحموم، خاصة تحسّن الوضع الأمني. فلم يشهد العراق مثل هذا الهدوء منذ عام 2003.
وفي هذا الصدد، يقول مستشار رئيس الوزراء العراقي الدكتور مظهر محمد صالح لـ”النهار”: “هناك تقاطع في وجهات النظر بين التفاؤل والتشاؤم حول مستقبل أو ازدهار الاقتصاد العراقي. فالاقتصاد العراقي خرج حقاً من عقود طويلة من الصدمات والنكبات ولكنه بقي قوياً أمام تلك الاهتزازات ما يدل على أن بلادنا ليست بحاجة إلى موارد إضافية كي تزدهر، بل إلى استقرار بمعناه الواسع، إذ ما زال العراق يصنف البلد التاسع في العالم من حيث الثروات الطبيعية القابلة للاستغلال، فضلاً عن نموّ في القوة البشرية الشابة المنتجة إذ تقترب البلاد من الهبة الديموغرافية، وسيشكل من هم دون سن 30 عاماً نسبة 60% من السكان بحلول السنوات القليلة المقبلة”.
ويضيف: “بلادنا هي من الاقتصادات المرنة في دخول العالم الرقمي في الخدمات والزراعة الذكية ومجالات منتجة مختلفة، وما دام الاعتماد على النفط والغاز مرتكز اقتصاد الطاقة في العالم، فإن بلادنا ما زالت منتجة للتدفقات النقدية بالعملة الأجنبية بشكل مرن من عائدات النفط. العراق اليوم يدرك أن الاستقرار السياسي والاقتصادي هو أساس تقدمه من دون إهمال برامج التنمية والطاقة. ويصاحب ذلك التوجّه استثمار الحقول النفطية بدخول واسع لشركات نفطية أميركية كبرى للمرة الاولى في بلادنا بعقود تطوير البنية التحية للنفط العراقي أخيراً، ما يطلق إشارة نحو توسيع فرص النموّ وبناء سياسات فعالة في دفع معجلات التنمية، وبناءً على ذلك بدأت سياسة العراق في العلاقات الدولية تسير على معايير قوية وفق ما يسمّى الديبلوماسية المنتجة في المجالات كافة”.
ومع ذلك، أثبتت تغييرات أخرى صعوبتها. فقد تجنب السوداني بشكل ملحوظ المواجهة المباشرة مع الميليشيات المدعومة من إيران التي سمحت للجمهورية الإسلامية بالسيطرة على معظم السياسة والاقتصاد في البلاد، بحسب “الإيكونوميست”. ويجادل مراقبون بأن نهج السوداني يمنح الميليشيات غطاءً لإثراء أنفسهم وتشديد قبضتهم على الدولة.
من جهته، يقول الاكاديمي والخبير الاقتصادي العراقي الدكتور نبيل المرسومي لـ”النهار”: “كلمة ازدهار كلمة كبيرة في العراق، هناك إعمار في بغداد وفي مناطق معينة وتركز في الجسور وبعض مشاريع البنية التحتية واستكمال بعض المشاريع خاصة في قطاع الطاقة”.
ويضيف: “الإعمار في العراق مموّل بعائدات النفط بالتأكيد وبالدين الداخلي الكبير”، ويشير إلى أن “أموال النفط لم تُستغلّ في تنويع القاعدة الإنتاجية أي لم تستخدم في تنشيط القطاعات المختلفة ولم تتوظف في تنويع مصادر الدخل في البلاد”.
ويؤكد المرسومي أن “هناك تطوراً واستثمارات أجنبية في قطاع الطاقة تحديداً”، مشيراً إلى أن “عودة الشركات الغربية والأميركية هدفها موازنة النفوذ الصيني الكبير في قطاع الطاقة بالعراق”.
في المقابل، تشير تقارير إلى أن هناك جانباً مظلماً لهذه الطفرة الاقتصادية، وهي تدفقات مالية غير مشروعة وشبكات الميليشيات ووهم العقارات. وقال الخبير الأميركي في مجال الأمن القومي وإنفاذ القانون سام بتلر إن الاقتصاد العراقي يمر بمرحلة متناقضة: من ناحية، تشهد بغداد وغيرها من المدن الكبرى في العراق طفرة في المشاريع العقارية الطموحة ومراكز التسوّق الفخمة والأبراج الفاخرة. من ناحية أخرى، تثير الكشوفات حول كيفية إساءة استخدام النظام المالي في البلاد من قبل شبكات مرتبطة بالميليشيات المدعومة من إيران والبنوك الفاسدة.
وذكر في تقرير له أن غسل الأموال القائم على التجارة ليس بالأمر الجديد على العراق. فمزيج الاقتصاد الذي يعتمد على النقد، وضعف الرقابة الجمركية، والشبكات السياسية يجعل البلاد معرّضة بشكل خاص لهذا الخطر، مستشهداً بتقرير لـ”وول ستريت جورنال” فصّل كيف استُغلّت المؤسسات المالية العراقية لتحويل مليارات الدولارات إلى الخارج، غالباً تحت ستار الواردات أو الإنفاق الاستهلاكي.
ويقول بتلر لـ”النهار”: “في العراق، ما يبدو أنه انتعاش اقتصادي هو، في كثير من النواحي، إعادة تغليف لنفس شبكات الفساد الإيرانية التي هيمنت على سياسته لسنوات. الازدهار في مراكز التسوّق والعقارات لا يتعلق فقط بالتنمية بل بالشرعية… عندما تقوم الميليشيات والأشخاص المعروفون سياسياً ببناء مراكز التسوّق والأبراج الفاخرة، أو حتى الاستثمار في سلاسل المطاعم والتجزئة، فإنهم لا يوسعون الاقتصاد العراقي فحسب، بل يشترون القبول الاجتماعي للثروة غير المشروعة”.
ويضيف: “لن يقاس الإصلاح الحقيقي في العراق بعدد مراكز التسوّق التي بُنيت، بل بمن يملكها بالفعل”. ويشير إلى أن “التحدي الذي يواجه الشركاء الدوليين هو إدراك أن أكبر خطر يواجه العراق اليوم ليس عدم الاستقرار، بل الغموض. عندما يتم إخفاء الملكية من خلال الوكلاء ويُعاد تدوير الأموال غير المشروعة من خلال شبكات البناء والتجزئة والامتيازات، يمكن حتى للمستثمرين ذوي السمعة الطيبة أن يصبحوا متواطئين دون أن يدركوا ذلك”.
ويؤكد بتلر أن المسؤولين الأميركيين يراقبون هذا الأمر عن كثب لأن كل عملية غسل أموال تعيد تدوير الأموال الخاضعة للعقوبات سواء كانت مشروع برج سكني أو سلسلة مطاعم أو امتيازاً تجارياً، تقوّض في نهاية المطاف الضوابط المالية الأميركية. ويقول إن “هناك شعوراً متزايداً في واشنطن بأن ازدهار الاستهلاك والبناء في العراق أصبح صمام ضغط لشبكات إيران وطريقة لنقل الدولارات التي لا يمكنها عبور الحدود بشكل قانوني”.
ويضيف: “تراقب واشنطن والعواصم الإقليمية هذه الديناميكية عن كثب، لأن اقتصاد العراق أصبح فعلياً صماماً لتخفيف الضغط عن التمويل غير المشروع. إن لم تواجه بغداد هذا الواقع، فإن الازدهار الذي تحتفل به قد يصبح قريباً نقطة ضعفها التالية”.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram