حين يُغلق القدر أبوابه... فذلك رحمة من العالمين، ونجاةٌ مما تمنّيت.
في لحظات الضعف، حين نجد أنفسنا أمام أبواب مغلقة، نظن أن الدنيا قد توقفت عن الدوران، وأن الأمل قد تلاشى. لكن، في تلك اللحظات، نكتشف أن القدر يخطط لنا أجمل مما نتمنى.
نحنُ كائنات من رغبةٍ ولهفة، نُبني أحلامنا من خيوط الأمل، ونرسم على جدران القلب وجوه الأمنيات. نركض في دروب الحياة كمن يبحث عن وطنٍ بين الغيم، ونظن أن السعادة في ما نختار، لا في ما يُختار لنا. لكن الحقيقة الأعمق أن القدر يعرفنا أكثر من أنفسنا، ويحبّنا من حيث لا ندري.
كم مرة ظننا أن سعادتنا في بابٍ معين، فطرَقناه بدموع الرجاء، فلم يُفتح؟ كم من علاقة أحببناها حدّ الوجع، ثم اختنقنا فيها؟ كم من وظيفة ظننّاها حلم العمر، فإذا بها تُطفئ شموع أرواحنا؟ كم من سفرٍ تمنّيناه، فتأخّر، ثم سمعنا أن الطائرة التي كنا نحجز لها قد سقطت؟ كم من شخص تخلّى عنا، فبكينا، ثم عرفنا بعد سنوات أن الله أنقذنا من خيانةٍ كانت تُغزل في الخفاء؟
تخيل امرأة حلمت بطفلٍ لسنوات، وبكت في كل موعد طبيّ، ثم اكتشفت لاحقًا أنها مصابة بمرضٍ وراثي خطير كان سينتقل إلى ذلك الطفل لو وُلد. تخيل شابًا قُبل في وظيفة العمر، لكنه لم يُكمل التوقيع، لأن أوراقه تأخرت، وبعد أشهر أُعلن عن انهيار الشركة وسجن أصحابها في قضايا فساد. تخيل قلبًا تعلّق بشخص، أحبّه، وخلع لأجله جدران الحذر، ثم اختفى ذاك الحبيب فجأة، فيبكي الإنسان لغيابه، ولا يعلم أنه لو بقي، لأطفأ فيه النور.
هذه ليست حوادث عابرة، بل دلائل. القدر لا يُغلق بابًا إلا ليمنع سيلًا من الأحزان. لا يمنع رزقًا إلا ليبدلك بأفضل. ولا يُبعد أحدًا إلا لأن وجوده كان يؤخرك، يكسرك، يشوّهك وأنت لا تعلم.
ولعل أعظم أبواب الرحمة تلك التي أُغلقت بصمت. لا ضوضاء، لا تفسير، فقط نهاية تشبه انطفاء شمعة. ثم بعد حين، نفهم، ونقول في سرّنا: "لو استُجيب دُعائي، لهلكت."
في مدرسة الحياة، لا ننجح دائماً بما نريد، بل بما يُكتب لنا. فآمن، وسلّم، وارضَ... فالله لا يُغلق بابًا إلا لأنه يحفظك خلفه. فالحمد لله على الأبواب المغلقة، والوجوه التي غابت، والرسائل التي لم تُرسل، والمكالمات التي لم تُجَب... فقد حمانا الله من كل سوء.
وحدهم الذين يفهمون لغة القدر، يعلمون أن كل "لا" من السماء... كانت نعمًا مخبوءة تحت ستار الغيب.
"إِنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا" فلا تيأسوا، ولا تفقدوا الأمل، فالله معكم، وهو أعلم بما يُخبئ لكم من خير. فاصبروا، وارضوا، وآمنوا بأن كل ما يحدث لكم هو خير لكم، وأن القدر لا يُغلق بابًا إلا ليفاجئكم بما هو أفضل.
"رُبَّ خيرٍ لم تنله بحيلة، وشرٍّ جلبته لنفسك حيلة." فاللهم ارزقنا الرضا بالقضاء، والصبر على البلاء، واجعلنا من الشاكرين في السراء والضراء. آمين.
بقلم : فاطمة يوسف بصل
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
.اضغط هنا
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي