كتب حليم رزوق
النزعة الفردية التي حذر منها سعاده واضعا اياها ، بالنسبة للنهضة ومشروعها ، بموازاة العدو الخارجي، وربما فاقته خطورة، لها ذرية واولاد يعيثون في الارض فسادا .
واحدة من ذرية النزعة الفردية القاتلة هي الكيدية. كيدية في السياسة .كيدية في التعاملات العادية بين الناس . وكيدية في مقاربة امور هامة مثل قيادة الحركات والاحزاب .
هي تنم عن نفسية صغيرة حقودة وحقيرة لا يمكن لها ان تفهم القضايا الكبرى ولا حتى ان تلامسها ملامسة .
هذه الكيدية اطاحت وما زالت تطيح بانظمة ومؤسسات . واساس عمارتها قائم على مبدا "انا او لا احد" او "من بعدي الطوفان".
والكيدية مرض عضال عند الناس العاديين. وهي عند مدعي القيادة او الطامحين لها ، عن حق او عن غير وجه حق، نقيصة وخطيئة من الصعب التعايش معها . وهي تنعكس حتما على مستوى قيادتهم وتأثير ذلك على المؤسسة التي يتنطحون لقيادتها .
لقد اعتمد السياسيون في لبنان ، اكانوا في السلطة او في المعارضة، على مبدأين حكما السياسة في لبنان هما الكيدية من جهة والنكد السياسي من جهة ثانية . وهما مبدآن في العمل السياسي يعنيان انتفاء الموضوعية في مقاربة أي قضية وايلاء المصلحة الخاصة المقام الاول على حساب المصلحة العامة . فإذا قام احد الوزراء المحسوبين على حزب ما بعمل جيد في نطاق وزارته وعاد بالفائدة على مجموع الشعب عارضه الحزب المناويء لأنه يحسب الامور بمقياس الحزبية الضيقة وليس بالحساب الوطني العام الذي يعني الجميع وينتفع به الجميع موالين ومعارضين . وقس على ذلك . فالمسألة هي مسألة ثقافة في النتيجة . فإما ثقافة وطنية تنظر الى المجتمع كوحدة اجتماعية أو ثقافة فئوية تنظر الى المجتمع مقسما الى فئات وطوائف واحزاب .
إذا كان مردود هذه الكيدية وهذا النكد ما نراه امامنا من تردي وتخلف في الحياة السياسية في نظام كالنظام اللبناني فما بالك اذا تفشت هذه الثقافة المدمرة في الاحزاب والحركات التي ترفع يافطة التغيير والاصلاح في المجتمع ، عدا عن أن وجودها ذاته كان في سياق مشروع نهضوي عام يعنى المجتمع كله والوطن كله على تعدد فئاته وتنوع طوائفه ؟
عندما ذكر انطون سعاده النزعة الفردية كاشفا عن مخاطرها كان يدرك جيدا ان العلة الاساسية المتأصلة في المجتمع ، بالاضافة للطائفية ، هي النزعة الفردية . بل انه اعتبر ان النهضة في مواجهتها لهاتين العلتين حققت انتصارا لافتا في مواجهة الطائفية بينما لم تسجل مثله في ما يتعلق بالنزعة الفردية .
وربما أن احد اهم العوامل التي ادت وما زالت تؤدي الى التراجع الكبير في دور الحزب القومي وصولا الى حالة الانقسام الحالية التي تهدد بالقضاء على ما تبقى من مصداقية للحزب ، يعود الى هذه النزعة الفردية القاتلة. فعندما تعجز جميع ادارات التنظيمات التي ترفع يافطة الحزب عن الوصول الى وحدة القوميين متجاوزة في ذلك مصالح ومواقع مسؤولي التنظيمات ، فإن السبب الوحيد وراء ذلك هو تغليب هؤلاء المسؤولين لمصالحهم الخاصة على مصلحة الحزب .
افليس غريبا ان الحزب الذي تأسس ليكون اداة لتحقيق مشروع النهضة كما مشروع توحيد الامة يعجز عن لملمة اجزائه المبعثرة وتوحيد جميع المنتمين الى فكر ونهج سعاده في تنظيم واحد ؟
اوليس غريبا ومستهجنا ان الحزب الذي تأسس ليكون الخطة النظامية المعاكسة للخطة الصهيونية يغدو بعد اكثر من تسعين عاما على تأسيسه في مكان غير مكانه الطبيعي فاقدا لصدقيته كاداة للنهضة وكحركة الشعب العامة؟
اوليس غريبا ومستهجنا ويبعث على الريبة في مدى استيعاب بعض قياديي الاحزاب القومية ، انهم ليسوا قيمين على اية مؤسسة الا بمقدار فهمهم واخلاصهم لفكر ونهج سعاده . كما انهم لا يملكون الحق في منع احد.من التعبير الحر عن رأيه الذي قد يكون مخالفا لرأيهم محاولين حظره على بعض الوسائل او الصفحات التي ليس لهم عليها اية ملكية حصرية او حق مكتسب ممنوع على غيرهم . فقليلا من التواضع الذي يدل على رفعة في التعامل عوض الغرق في كيدية مقيتة ونكد مسيء لصاحبه قبل ان يكون مسيئا لسواه . علما ان التعامل الراقي بين رفقاء ينتمون لفكر واحد ومدرسة نهضوية واحدة يحدو بهم لأن يرتقوا الى مستوى يليق بابناء النهضة فيقوم المتنطحون للقيادة بينهم باستيعاب اية اشكاليات عابرة وحلها بطريقة تجمع بين اظهار الحقائق من جهة وعدم اللجوء الى الممارسات الكيدية التي لا تليق بهم من جهة اخرى .
هذه المداخلة عن الكيدية ومخاطرها على مجمل التعاملات بين الناس اضافة لما تجره على مسيرة الدول والاحزاب من ويلات ، لا تعدو كونها مساهمة متواضعة في تبيان مخاطر النزعة الفردية على مسارات الشعوب والامم . وما قد يبدو فيها كأنه موجه لحالات محددة ليس الا من قبيل الاشارة لبعض شواهد حية مما يمر معنا في حياتنا وممارساتنا اليومية كافراد ومسؤولين . فإذا شعر احدهم بأنه مستهدف بشكل او اخر بهذا الكلام فلعل عنده من الاسباب التي تجعله يشعر بذلك، مما اعتبر انه خارج عن نطاق مسؤوليتي ككاتب لهذا النص الذي يطرح مسألة مناقبية عامة ولا تعنيه صغائر الامور .
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :