هل ضمنت قرارات ترامب مخرَجًا لنتنياهو؟ وكيف يترجمه الواقع؟
بين صفحات السياسة، تُطرح قرارات كأنّها طوق نجاة لمن يغرق في بحر النزاعات. ترامب قدم شروطًا مُعلنة، مع ضمانات دبلوماسية، فهل صار نتنياهو بمأمن خلفها، أم أن الواقع سيُفرّغ المخرَج من مضمونه؟
أولًا: قرارات ترامب — قفزة الأمل في ليل النزاع
تخيل أن تُرفع فوق ساحة الحرب ورقة بيضاء، مكتوب عليها: “اتّفقنا على وقف النار، انسحاب تدريجيّ، تبادل الأسرى، نزع السلاح، إدارة مؤقتة تحت إشراف دولي”. يبدو الحلم براقًا كزرقة السماء وقت الغيم.
ترامب أتى، وطرح هذه الشروط، وكأنه يمنح إسرائيل مخرجًا من الضغوط والعزلة، يُعيد لها الهيبة الدولية، ويُسلّم لنتنياهو سندًا يلوذ به أمام خصومه. إنه مخرج يمتاز بأنه مرسوم من فوق، ومرتدّ في طابعه، يعطي الشرعية للمخارج الأمنية، مع الحفاظ على الصورة المكرّسة في الساحة الأمريكية.
ثانيًا: المخرج على الورق… والتعثر في ميدان الواقع
لكن هناك فرق كبير بين أن يُكتب المخرج، وأن يُطبَّق في أراضي الغاز والبنايات المهدَّمة. فالخطاب قد يلتزم، لكن الحجارة التي تُرمى، والدم الذي يُنسكب، لا يلتزم به.
نتنياهو أعلن تأييدًا، لكنه عبر عن تحفظات: الانسحاب سيُطبَّق بشكل تدريجي، السيطرة الأمنية ستبقى إسرائيلية في مناطق محيطة، والإشراف الدولي قد لا يطال كل المراحل. أي أن المخرج لم يُفصح إلا بشروط تحفظية.
أما الواقع، فمقاتله تستمر في بعض الشوارع، والضغوط تفوق قدرة الإعلان. فهل يُطبَّق وقف النار فورًا؟ أم يُستخدم كخدعة تهدئة بين جولات القصف؟ إنه اختبار لا يُحكَم إلا بعد أن يسقط أول رصاصة تنكُر الاتفاق.
في غزة، المخرج لا يُقاس بإنزال الجنود أو رفع الرهائن فحسب، بل بعودة نسمات الحياة: طفل يضحك في حارته، امرأة تُعدّ قهوتها دون خوف، وردة تُزرع أمام النافذة. تلك هي الترجمة الحقيقية للقرارات، وليس مجرد لوحات صديق تقدم التهاني.
وإذا ظنّ أحد أن المخرج يُعطى لمَن يعترف بشروطه، فلينظر إلى غزة التي رفضت أن تُمسح هويّتها، وترفض أن تُركّع بقرار يُكتب من بعيد.
قرارات ترامب قدّمها كجسرٍ لعبور الفراغ، لكبح الفوضى، لمنح صورة سلام مُزيَّفة تحت زخّات الرصاص. لكنها لا تزال جسرًا هشًا، ينكسر إذا لم يُدعّم بأفعال، إذا لم تُشفّ به النزعات الأمنية، إذا لم يُغذّ بضمائر تُعلن “لا مزيد من القتل”.
نعم، مخرَج قد يُصاغ، لكن ما لم يُترجَم في الدم والركام، فهو وعد لا أكثر. ونتنياهو، إن وقف خلفه اليوم، قد يجد أنه يقف على أرضٍ ليست أرضه، إن لم يكن التنفيذ مؤانسًا لقلب غزة الذي لا يُساوم.
في النهاية، لا تُخلَّد القرارات، بل تُخلَّد الأفعال، ولا يُصان مخرج إلا حين يتحوّل إلى حياة تُعاش، لا إلى بندٍ يُذكر وتنساه الذاكرة. في غزة اليوم، يُكتب الفصل الأهم: هل يُقرأ المخرج، أم يُطبَق؟
بقلم :الدكتور محمد هاني هزيمة محلل سياسي وخبير استراتيجي.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
.اضغط هنا
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي